إن مشروع تعزيز ثقافة حقوق الإنسان والنهوض بها واحد من
الأوراش التي انخرطت فيها شبكة الجمعيات التنموية بواحات الجنوب الشرقي المغربي،
المشهورة بسمة (Radose).
والمشروع جار إنجازه بدعم من المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، وبشراكة
منها، طمعا في استنبات ثقافة حقوق الإنسان لدى النساء والتلاميذ والمنتخبين، ويرجى
جعلها ركيزة من ركائز التربية، وثقافة متجلية داخل المجتمع.
أقدمت شبكة الجمعيات التنموية بواحات الجنوب الشرقي، على
مواصلة تنفيذ الدورة التكوينية والتحسيسية في إطار «مشروع تعزيز ثقافة حقوق
الإنسان والنهوض بها بإقليمي الرشيدية وميدلت»، وذلك بتنظيم دورة تكوينية في أربع
ورشات، في حصتين، بواقع ورشتين في كل حصة، للمرة الثانية، بدار الشباب المدينة
بمدينة الرشيدية مساء يوم السبت 15 من شهر نونبر من العام 2014، وصباح يوم 16 منه،
بدار الشباب المدينة. ولقد سبق أن جرى تنظيم دورة تكوينية في أربع ورشات في حصتين،
بواقع ورشتين في كل حصة، للمرة الأولى، بمركز كراندو بإقليم ميدلت، يوم السبت 25
من شهر أكتوبر من العام ، والأحد 26 منه 2014. كلتا الورشتين مقيدة ببرنامج موحد
يقضي المرور بخطوات محددة، وملامسة مجموعة من العناصر.
انتظم اليوم الأول في ورشتين اثنثين: حصة «التعريف
بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والعهود»، ورشة «الآليات الدولية لحقوق الإنسان».
ففي الورشة الأولى المخصص لها «التعريف بالمواثيق
الدولية لحقوق الإنسان والعهود»، جرى تقديم كلمة افتتاحية، يعقبها تقديم المشاركين
معبرين عن انتظاراتهم، ثم حصل تقديم كل محور ومناقشته وفق التسلسل التالي:
-
السياق العام للموضوع ومناقشته
-
المفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان ومناقشة ورقتها
-
المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والعهود ومناقشتها
-
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
-
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
-
العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية
-
الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان
وفي
الورشة الثانية المعنية بموضوع «الآليات الدولية لحقوق الإنسان»، تقرر أن تعرض
وتناقش العناصر التالية:
-
مفهوم آلية حماية حقوق الإنسان
-
التعريف بالآلية الدولية لحقوق الإنسان
-
أي دور لآلية حماية حقوق الإنسان؟
-
قواعد مؤسسة لاشتغال الآلية ومبادئها
-
إشارة إلى الآلية الجهوية لحقوق الإنسان
واستغرق
برنامج اليوم الثاني ورشتين اثنثين: ورشة «الممارسة الاتفاقية للمغرب في مجال حقوق
الإنسان»، وورشة «الآليات الوطنية لحماية حقوق الإنسان».
في
الورشة الأولى التي سمتها « الممارسة الاتفاقية للمغرب في مجال حقوق الإنسان» جرى
تثبيت معارف اليوم الأول، ثم تقديم العناصر المدرجة أسفله ومناقشتها:
-
السياق العام للموضوع
-
تحديد معنى الممارسة الاتفاقية
-
مسلسل انخراط المغرب في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان
-
التصديق والملاءمة والتفعيل
وفي
الورشة الثانية التي موضوعها «الآليات الوطنية لحماية حقوق الإنسان» حصل تثبيت
معارف الورشة السابقة وتقديم العناصر المدرجة أسفله ومناقشتها:
-
سياق إنشاء الآليات الوطنية لحقوق الإنسان
-
الضمانات الدستورية
-
الآليات الحكومية
-
الآليات غير الحكومية
-
التقييم.
من دعامات الدورة التكوينية ملف مجهز بمجموعة من الوثائق
تقارب الدورة: البرنامج في صفحتين، كل صفحة تحوي
برنامج يوم واحد أي: برنامج ورشتين اثنثين، ووثيقة الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان بما هو المورد الأساسي لحقوق الإنسان، وشمل الملف أربعة بطائق: الأولى
حاوية التعريف بالمندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان، والتعريف بشبكة
الجمعيات التنموية بواحات الجنوب الشرقي، ومطوية حول «مشروع تعزيز ثقافة حقوق
الإنسان والنهوض بها» حوت «بعض الاتفاقيات الدولية التي صدقها المغرب»، و«بعض
آليات حماية حقوق الإنسان بالمغرب»، و«مقتطفات من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»،
ومقتطفات من «اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة»، و«التعريف بمشروع
تعزيز ثقافة حقوق الإنسان والنهوض بها». وورد في البطاقة الثانية القانون الدولي
وحماية حقوق الإنسان، وتناولت البطاقة الثالثة نبذة عن الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان، وأما البطاقة الرابعة فمثبتة في الصفحة الثانية من الملف، وأما الصفحة
الأولى منه، فتناولت عنوان المشروع المذكور، والشعار:«جميعا من أجل إشاعة ثقافة
حقوق الإنسان».
جرى إنجاز برنامج الورشات الأربع، التي انقطع لتأطيرهما
الأستاذ عبد الله حديوي ولحسن ايت الفقيه، على وجهه، وإن حصل بعض الزيغ الذي يفرضه
النقاش.
أثناء الافتتاح ود الأستاذ عبد الله حديوي أن يقدم المشروع
«مشروع تعزيز ثقافة حقوق الإنسان والنهوض بها بإقليمي الرشيدية وميدلت»، والذي
يروم إشاعة ثقافة حقوق الإنسان، و«ما أحوجنا إلى تنمية حقوق الإنسان، لأننا نعيش
أوضاع الميز بين الرجل والمرأة، والميز بين الأجيال، والميز بين الطبقات
الاجتماعية، والميز في مجال المعتقد، وفي المجال الإثني....ما أحوجنا إلى التشبع
بحقوق الإنسان لأن ذلك من شأنه أن يساهم في التنمية الديموقراطية، وفي التنمية
المواطنة. إن إشاعة ثقافة حقوق الإنسان مسؤولية، مسؤولية الجميع، وليست مسؤولية
حزب، أو نقابة،... وشبكة الجمعيات التنموية بواحات الجنوب الشرقي المغربي، بما هي
فاعل يساهم في التنمية المحلية، أطرت مجموعة من اللقاءات والورشات في هذا الاتجاه،
أملا في بناء ثقافة الديموقراطية. وإن هذا المشروع الممول من لدن المندوبية
الوزارية لحقوق الإنسانية ليساهم في هذا المجهود الكبير. إن هذا النشاط الذي نجريه
لهو نشاط ثاني، وقد سبق أن حصل النشاط الأول بمركز كراندو، بإقليم ميدلت غير بعيد
عن تزمامارت يوم 25 من شهر أكتوبر من العام 2014 و26 منه». ثم أشار الأستاذ عبد
الله حديوي، فانطلق تقديم المشاركين أسمائهم، وصفاتهم، وانتظاراتهم عند الاقتضاء.
وبما أن جريان الورشات الأربع حصر على وجهه، فإنه وجب
طمعا في الاختزال والتركيز تصنيف المضامين ثلاثة أصناف: الصنف المفاهيم والذي
يستغرق التعاريف، والصنف ذو صلة بالجانب الدولي، والصنف ذو صلة بالجانب الوطني، مع
الوقوف عن ما يجب التركيز عنه من المواقف.
أولا: حقوق الإنسان: المفهوم والمبادئ والخصائص
يعني
الحق أن يختص الشخص بقيمة ما مادية أو معنوية وفق القانون حمايته، ووفق المصلحة.
وأما حقوق الإنسان فهي الحقوق الطبيعية اللصيقة بالإنسان، واللازمة لضمان الكرامة.
فالكرامة قيمة ثابتة لكل الأفراد، إلى جانب العدالة والإنصاف، والمساواة وعدم
التمييز. والحق صنفان: الحق الفردي، والحق الجماعي. الحق الفردي لكل إنسان كفرد،
كالحق في الحياة، والحق في السلامة الشخصية وعبره عدم التعذيب. وأما الحق الجماعي
فيعود للشعوب والأقليات الثقافية والعرقية، من ذلك الحق في استعمال اللغة الأصلية
والحق في الديانة.
وأما
خصائص حقوق الإنسان ومميزاتها فتكمن في كونها –حقوق الإنسان- ملزمة للدول، وغير
قابلة للانتزاع ولا التجزئة، ومكفولة دوليا، ومحمية قانونيا، وهي عالمية.
وحقوق
الإنسان فئات: الحقوق المدنية، والحقوق السياسية، والحقوق الاقتصادية، والحقوق
الاجتماعية، والحقوق البيئية، والحقوق الثقافية.
ثانيا:
الآليات الدولية لحقوق الإنسان
طور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولأول مرة في تاريخ
البشرية، مفهوم حقوق الإنسان. وينهل الإعلان من ميثاق الأمم المتحدة. وورد في إحدى
البطائق المجهزة ملف المشاركة، أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اعتمدته الجمعية
العامة للأمم المتحدة، في 10 من شهر دجنبر من العام 1948. و«بعد الحرب العالمية
الثانية،وإنشاء نظام الأمم المتحدة، تعهد المجتمع الدولي بعدم السماح على الإطلاق
بوقوع فظائع من هذا القبيل مرة أخرى. وقد قرر زعماء العالم إكمال ميثاق الأمم المتحدة
بخريطة طريق تضمن حقوق كل فرد في أي مكان أو زمان». ويسرد الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان طيفا من الحقوق، وبالتالي، فهو منهل جل المواثيق الدولية والعهود التي
صدرت بعده. في البدء تفرع عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العهدان: العهد الدولي
الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية. وباختصار فالإعلان العلمي لحقوق الإنسان مروحة حاست أشعتها
عدة مجالات: المرأة، والطفل، والمعاقين، والمهاجرين، ومحاربة كل أشكال التمييز،
ودرء التعذيب...ومادامت بعض الاتفاقيات تنهل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،حبّ
أن يطلق عليها «اتفاقيات رئيسية»، من ذلك، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية
والسياسية «ICCPR»،
والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية «ICESCR»، واتفاقية حقوق الطفل «CRC»، واتفاقية القضاء على جميع أشكال
التمييز ضد المرأة «CEDAW»،
واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية الإنسانية
أوالمهينة «CAT»، والاتفاقية الدولية للقضاء على
جميع أشكال التمييز العنصري «ICERD».
وكل عهد أو اتفاقية تستغرق آداة قانونية دولية. ذلك أن
الاتفاقية بما هي ملزمة تفرض بالضرورة بعض الالتزامات على البلد الذي صدقها. ومن
تلك الالتزامات، التنصيص الدستوري، وملاءمة التشريعات الوطنية والاتفاقيات
الدولية، وسن قوانين جديدة. ولأن بعض الاتفاقيات لا يفتأ مجالها يتسع بإنشاء
بروتوكول اختياري ملحق بها. أي إن الضرورة تقضي تقوية الجانب الحماية في نطاق معين
منها، أو يحوس الجانب الحمائي فيها مساطر معينة وإجراءات. وتصدق الدول البروتوكول
على شاكلة تصديقها الاتفاقيات الملزمة.
ولما كان لكل عهد أو اتفاقية آداة قانونية دولية، وجب
الوقوف عند الهيئات التعاهدية (Organes
de traité). تتكون الهيئة التعاهدية من مجموعة من الأعضاء/ الخبراء. ويشترط
في كل عضو النزاهة «impartialité»،
والأخلاق الرفيعة «haute
moralité»، والخبرة في مجال حقوق الإنسان. . ويختلف عدد الخبراء من لجنة إلى
أخرى، كما تختلف الاتفاقيات حسب عدد الدورات السنوية التي تعقدها لجان. وأما مكان
اجتماعها فمدينة جينيف بسويسرا، أو مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية،
ومدينة جينيف بالنسبة لبعض الاتفاقيات:
- لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري «ICERD»، تستغرق 18 خبيرا، وتعقد دورتين
في السنة، وكل دورة تغطي ثلاثة أسابيع.
- لجنة حقوق الإنسان (CDH )، تشمل 18 خبيرا، وتعقد ثلاث
دورات في السنة كل دورة تغطي ثلاثة أسابيع.
- لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (CESCR )، تتكون من 18 خبيرا، وتعقد
دورتين، كل دورة تغطي ثلاثة أسابيع.
- لجنة سيداو، وتحوي 23 خبيرا، وتعقد ثلاث دورات في
السنة، كل دورة تغطي ثلاثة أسابيع.
- لجنة مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو
العقوبة القاسية واللإنسانية أو المهينة «CAT»، تتكون من عشر خبراء، تنظم
دورتين اثنتين في السنة وكل دورة تغطي ثلاثة أسابيع.
- لجنة حقوق الطفل مكون من 18 عضوا، تجتمع ثلاث مرات في
السنة، وكل دورة من دوراتها تدوم ثلاثة أسابيع.
ودون سرد وضع جميع اللجان نسجل أن عدد الخبراء في
الهيئات التعاهدية يتراوح بين 23 خبيرا و10 خبرا، أو الغلاف الزماني لكل دورة
ثلاثة أسابيع، وأن عدد الدورات يتراوح بين دورتين أو ثلاث في السنة.
وكما تختلف يومية اشتغال اللجان، تختلف دورية استلام
التقارير حسب الاتفاقيات:
- اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري «ICERD» تفرض تقديم التقرير الأولي «
Rapport initial»
في ظرف سنة، وأما التقرير الدوري فيقدم كل سنتين، وقد يقدم مشتركا «Combinant»، كل أربع سنوات.
- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية يحتم تقديم التقرير الأولي في ظرف سنتين، والتقرير الدوري يقدم كل خمس
سنوات.
-
العهد الدولي الخاص بالحقوق
المدنية والسياسية يحتم تقديم التقرير الأولي في ظرف سنة واحدة، والتقرير الدوري
كل أربع سنوات، في الغالب.
-
اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية واللإنسانية أو
المهينة «CAT»، واتفاقية سيداو (CEDAW) تشترطان تقديم التقرير الأولي في
ظرف سنة واحدة والتقرير الدوري كل أربع سنوات.
-
اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولان الملحق بهما تقضي تقديم التقرير الأولي في ظرف
سنتين، والتقرير الدوري في ظرف خمس سنوات.
ذلك
ما عرض، على سبيل المثال، لبيان الاختلاف في دورية تقديم التقارير حسب الاتفاقيات.
وكيف يجري إعداد التقرير وافتحاصه؟ يجري ريث إعداد التقرير إلى مواد الاتفاقية ذات
الصلة، ويرجى الإجابة على أسئلة الهيئة التعاهدية المقدمة سلفا، ويرجى أن يحويَ
التقرير المعلومات العامة عن البلد الذي يعنيه التقرير ونظامه السياسي، والقضائي،
وكل المعلومات ذات الصلة، من ذلك المعلومات الدقيقة حول السياق العام لإعمال حقوق
الإنسان في البلد المعني.
حصل الاجتماع القبلي لأعضاء اللجنة من أجل
وضع لائحة النقط الواجب معالجتها «Liste
des points à traiter»، وذات الصلة على وجه الخصوص
باتفاقية القضاء على جميع أشكال الميز ضد المرأة (CEDAW) ، واتفاقية حقوق الطفل
(CRC) ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ICESCR)،
وتحمل الدولة الطرف على الرد كتابة، في الغالب، على لائحة النقط الواجب معالجتها.
ويمكن للجنة أن تعتمد على التقارير الموازية التي تصدرها بعض الجمعيات. ويفتحص
التقرير في جلسة عمومية مفتوحة مصحوبا بالحوار التكويني (Dialogue constructif)، وتودع الملاحظات النهائية،
ويجري تتبع التوصيات في الأخير. ولمزيد من الفهم عرضت على المشاركين بعض التقارير.
ثالثا:
المغرب وحقوق الإنسان
أريد
طمعا في تنظيم الأفكار وتصنيفها أن يقدم في هذا المحور عرضان: «مسار الانفتاح
الديموقراطي والحقوقي بالمغربي»، و«التنصيص الحقوقي في الدستور المغربي».
عرف المغرب مسارا طويلا في الانفتاح الديموقراطي انطلق
من التسعينات من القرن. وقبل ملامسة هذا المسار جدر
الحديث عن مفهوم الانتقال الديموقراطي. عرفت أمريكا اللاتينية، وشرق أوروبا،
في الثمانينات، والتسعينات من القرن الماضي، ارتفاع أصوات مطالبة بالعدالة في
هاتين المنطقتين، إثر انهيار أنظمة ديكتاتورية، انجرت عنها انتهاكات حقوق الإنسان.
وقد دأب، دعاة حقوق الإنسان وغيرهم آنذاك للتصدي لتلك الانتهاكات المنهجية التي
اقترفتها الأنظمة السابقة، ولكن دون أن يعصف ذلك بالتحولات السياسية التي تشهدها
البلاد. ولما شاع وصف هذه التحولات بـ«الانتقال إلى الديمقراطية»، فقد بدأ الناس
يطلقون على هذا المجال الجديد المتعدد التخصصات مصطلح «العدالة الانتقالية».
وورد في العرض مفهوم المنعطف التاريخي
الذي يصاحب الانتقال من وضع إلى آخر، بعوامل داخلية، أو خارجية، أو هما معا.
وطالما تكون المؤثرات الخارجية حاسمة في التغيير.
عرف المغرب بعض التغيرات، ابتداء من التسعينات من القرن
الماضي تمثل في التقدم الملموس الذي عرفته ممارسة حقوق الإنسان بالمغرب، والمتمثلة
خاصة في تدشين عدد من أوراش الإصلاح المؤسساتي والقانوني، من ذلك إحداث المحكمة
الإدارية يوم 08 من شهر مايو من العام 1990، وإحداث المجلس الاستشاري لحقوق
الإنسان، وحصل تغيير الكثير من مقتضيات المسطرة الجنائية، وجرى إصلاح مدونة الأسرة
والقانون الجبائي وقانون الجنسية، وحصل التفكير في تجريم التحرش الجنسي. وفي تلك
الأثناء شاعت ثقافة احترام جسد المرأة، وتوج ذلك كله بتجربة المغرب في مجال
العدالة الانتقالية من خلال إحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، سنة 2003، والتي عملت
على وضع حد لماضي الانتهاكات الجسيمة في مجال حقوق الإنسان، وساهمت في تعزيز مسلسل
حماية حقوق الإنسان والنهوض بها. وفي سنة 2008
أعلن عن مسلسل خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان.
وأما
العرض الثاني حول «التنصيص الحقوقي في الدستور المغربي» فتناول ثلاثة
محاور:
- المرجعية
الحقوقية في تصدير الدستور المغربي
- تصدير الدستور والاتفاقيات الدولية
- تطور وضع
التصديق على الاتفاقيات والبروتوكولات في
المغرب سنتي 2011 و2012.
سردت أربعة
نصوص حواها تصدير الدستور المغرب وجرت مناقشتها وتحليلها مع المشاركين لاستخلاص
مباديء حقوق الإنسان منها. متن النص الأول الذي يدور حول التزام المغرب بالمواثيق
الدولية:«وإدراكا منها لضرورة تقوية الدور الذي تضطلع به على الصعيد الدولي فإن
المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، تتعهد بالتزام ما
تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي
متعارف عليها عالميا، كما تؤكد عزمها على مواصلة العمل للمحافظة على السلام والمن
في العالم». وأما النص الثاني: «حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي
الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما، مع مراعاة الطابع الكوني لتلك
الحقوق، وعدم قابليتها للتجزئ»، فيتناول التصنيف، صنفي حقوق الإنسان، والقانون
الدولي الإنساني الذي يعتمد في حال الحروب، ويشمل النهوض بحقوق الإنسان، وحمايتها
وتطويرها، كما يستغرق بعض المبادئ كالشمولية والكونية (العالمية) التي وقع عليها
خلاف بين المتخلين. وأما النص الثالث فيدور حول « حذر ومكافحة كل أشكال التمييز
بسبب الجنس، أو اللون، أو المعتقد، أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي، أو الجهوي
أو اللغة، أو الإعاقة، أو أي وضع شخصي مهما كان». هنا جرى الوقوف عند أسس الميز
المذكور مع ذكر الأمثلة. والنص الأخير، فيقضي «جعل الاتفاقيات الدولية كما صادق
عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة
تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع
تتطلبه تلك المصادقة». فالدستور المغربي ينص على سمو المواثيق الدولية وفق نطاق
أحكام الدستور والهوية الوطنية. وورد في النص ملاءمة التشريعات مع ما يتطلبه
التصديق. وباختصار حمل الدستور المغربي أربعة أبعاد، سمو المواثيق الدولية،
والتنصيص على حقوق الإنسان، أو بمعنى آخر، جعل الدستور سجل لحقوق الإنسان، ودسترة
آليات الحكامة، وتجريم الانتهاك. ولكي يعطى للتصدير معنى وجب التذكير بعبارة
الدستور: «يشكل هذا التصدير جزءا لا يتجزأ من هذا الدستور، وبالتالي فهو ملزم.
وبعد ذلك جرى
الوقوف عند المحور الثاني من المداخلة
والذي انصب على الاتفاقيات الدولية لتضمنها بشكل غير مباشر في الدستور. تصنف
الاتفاقيات من حيث القوة القانونية إلى ملزمة وغير ملزمة. فأثناء تصديق الملزم من
الاتفاقيات وجب القيام بملاءمة القوانين الوطنية، والتنصيص الدستوري، وسن القوانين
المناسبة. ويمكن تصنيف الاتفاقيات من حيث الموضوع إلى اتفاقيات فئوية، واتفاقيات
موضوعاتية، والاتفاقيات ذات الارتباط بالقانون الدولي الإنساني. ما هي طبيعة
الصكوك الملزمة؟ إنها الميثاق، أو العهد، أو اتفاقية (معاهدة)، أو البروتوكول.
وأما غير الملزم فهو العهد، والإعلان، والتوصية، والمبادئ. وجرى عرض جدول مبين
للاتفاقيات، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص
بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية مناهضة كل أشكال التمييز
العنصري، واتفاقية حقوق الطفل، وسيداو، واتفاقية مناهضة التعذيب، والاتفاقية
الدولية حول حماية حقوق المهاجرين وأفراد أسرهم، واتفاقية الأشخاص المعاقين. ولم
يُغفل الوقوف عند المصدق من الاتفاقيات، أو رفع التحفظ عن البنود في وقت متأخر، من
ذلك أن مجلس الحكومة صادق [صدّق] ، يوم الخميس 26 مايو 2011، على البروتوكول
الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، الذي أقرته
الجمعية العامة للأمم المتحدة في 6 أكتوبر 1999.
وأما المحور
الثالث من المداخلة فتناول تطور وضع التصديق على الاتفاقيات والبروتوكولات
في المغرب سنتي 2011 و2012 ، تجلى ذلك في
نشر نصوص الاتفاقيات،(قدمت أمثلة مفيدة)، ورفع التحفظات على البروتوكولات، ورفع
التحفظات على بعض البنود، وحضـور المنتديات العالمية ذات الصلة. ومثال على ذلك أن المغرب شارك في المنتدى العالمي حول
البرتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب بجينيف يوم 10 من شهر نونبر 2011
و11 منه والذي شعاره الوقاية من التعذيب احترام الكرامة .
وجرى عرض
المقالات الصحافية التي تناولت حدث رفع التحفظ المذكور. ولم يغفل الوقوف عند
البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب
والذي ينص على «إنشاء نظام قوامه زيارات منتظمة تضطلع بها هيئاتٌ دولية،
ووطنية مستقلة، للأماكن التي يحرم فيها الأشخاص من حريتهم، وذلك بغية
منع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو
اللاإنسانية، أو المهينة «، علما أن
المادة 22 من الدستور تنص من بين ما تنص عليه أن «ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمةٌ يعاقب عليها القانون» .
وحصل الوقوف عند آليات الحكامة المغربية، المجلس
الوطني لحقوق الإنسان، ومؤسسة الوسيط، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الجالية
المغربية المقيمة في الخارج، والمجلس لاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، والهيئة
المكلفة بالمناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز، والهيئة العليا للاتصال السمعي
البصري، ومجلس المنافسة، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، والمجلس
الأعلى للتربي والتكوين والبحث العلمي، والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة.