jeudi 31 janvier 2019

مقاربة الحق في الماء بقرى «أكرس لوين» بين إشكال التعدد العشائري والمجالية الثقافية بجبال الأطلس الكبير الشرقي


سلف أن نشرت صحبة الصديق التهامي بن عدو مقالا بمجلة المزارع المغربي، العدد الثالث عشر، مارس 2002، حول «الساقية الكرسية الأزمة والحلول والآفاق». ولا أحب أن أقول إن المقال فقد راهنيته، بل تبين أنه في حاجة إلى المراجعة، ليتلاءم والتصور الحالي، بعد أن نبشت بعض الوقت في المجالية الثقافية. وكثيرا ما أشرت إلى أن مجموعة الكرس القروية تختزن فصولا ثقافية تفيد في المضي قدما في ملامسة الأعراف بالجنوب الشرقي المغربي. لذلك سأعود لقراءة المقال من جديد ودعمه بالمزيد من الإضافات، وتمحيصحه إن اقتضى الأمر ذلك.
  

 
إن ما هو مستطر في المقال، ويتوجب البدء به، أن جبال الأطلس الكبير الشرقي، وجبال الأطلس الكبير الأوسط، خزان مهم للماء بالجنوب الشرقي المغربي. «لكن التدهور البيئي، بفعل التدخل غير المسؤول للإنسان، أقحم المنطقة، عنوة، في النطاق الصحراوي الجاف. والغريب في الأمر، أن السنين الأخيرة حملت معها الجفاف، مما أثر على مسار الصراع» بجبال الأطلس الكبير الشرقي، ونتج عن ذلك «سوء تدبير شأن الماء، وتغيرت الأعراف القبلية، ولبس المشكل اللباس العرقي في كثير من المواقع نذكر منها إملشيل، وكرامة، وقرى الكرس».
وحينما يختل تدبير الماء ويسوء، فلا معنى للحديث عن أي علاقة متوازنة بين الإنسان والأرض. لذلك حسن «النظر في شأن الماء بشكل عقلاني، بعيدا عن الحسابات الضيقة، وحفاظا على التوازن بين الإنسان والأرض رجاء في تحقيق تنمية مستديمة في البنيات الهشة، يمن أن تقلل من الهجرة القروية وما ينجر عنها من أهوال». وحينما نقف عند مراد التنمية، نسائل أنفسنا أن كنا نتوافر على «إرادة سياسية قوية تقطع مع العبث في تدبير شأن الماء»، وتؤسس السياسة على الحق بدل الحاجة.
نأخذ مجموعة قرى الكرس، أو الكرس بما هو عنوان لتجمع قروي، نشأ تحت أهوال، ربما يختزنها تاريخ المغرب منذ تأسيس مدينة «كرس لوين» محطة لخوارج بني مدرار. ولسنا في حاجة إلى البحث عن أساس التجانس في قرى الكرس، فلا شك أن ويلات تاريخ المغرب بجنبات المسار التجاري سجلماسة فاس فرضت تجانسا وظيفيا، ولو كان معطى غير مرغوب فيه. وحينما ننسب كلمة الكرس «Guers» إلى حاضرة «كرس لوين»، وكذلك حصل بالفعل، فإننا نستحضر تعددا عشائريا وثقافيا، ونستحضر أن مراد تأسيس المدينة لم يكن لغاية ممارسة الزراعة، وقتها، بل لضمان أمن النشاط التجاري. ونجزم أن جل الدول التي تعاقبت على حكم المغرب، مدعوة لإرساء حراستها بحاضرة «كرس لوين»، عدا الموحدين الذي فضلوا تدمير الحاضرة  بكاملها لأسباب لا يفيدنا البحث عنها، ونكتفي بأن المدينة ذكرها ابن الخطيب وأشار إليها ليون الإفريقي في كتابها «وصف أفريقيا».
حصل بعد تراجع تجارة القوافل وتضرر مدينة «كرس لوين» من التعرية النهرية، أن نشأ تجمع قروي بالضفة اليمنى لواد زيز، جنوب شرق مركز الريش، ذاك هو «الكرس» الحقيقي. وبالبيان، يتكون «الكرس»  من القرى: «أمالو، اللحاين، أيت الفقيه، اصدوقا». وإلى جانب «الكرس» الحقيقي نشأ «الكرس» الهيدرولوجي، وهو «الكرس» الإداري. كيف نشأ «الكرس»  الهيدرولوجي؟ نشأت هذه المجموعة في وقت متأخر من استقرار أيت يزدك بالمنطقة. ففي غرب الكرس الحقيقي تتموضع ثلاث قرى من قبيلة أيت يزدك، وهي «أيت تيقرت، خرزوزة، وأيت عودى». فإذا نظرنا إلى المجموعة القروية، من حيث كونُها، تضاهي الرقم السحري 7، « أيت تيقرت، خرزوزة، وأيت عودى، أمالو، اللحاين، أيت الفقيه، اصدوقا»، نلفى أن التجانس الثقافي قائم، مع استحضار أن سكان أيت يسمور، هم في الأصل سكان « أيت تيقرت». ذلك أن ثلة من التجمعات القروية المتجانسة ترسو وتستقيم على العدد 7 كنحو تولال، وفجيج، والسفالات، وأيت سنان، والخنك العلوي، وتاماسين، وليقس ما لم يقل. ولا يفيد قولنا أن كل التجمعات السباعية متجانسة عرقيا، ذلك أنها –تجمعات- أمسى تجانسها أمر يراد، إذ هي تجمعات نشأت طوعا لغاية الدفاع الذاتي، ولغاية إنشاء مجال متكامل، وبالتالي بات من الضروري أن تحتضن الأقليات العرقية. وإذا رجعنا إلى إحصاء سلطات الحماية الفرنسية لسنة 1928، يتبين ما يلي:
إن الساقية الكرسية  التي يقع سدها بين الريش و«تاحينوست»، تمتد على الضفة اليمنى لواد زيز لتغذي ممتلكات ثمانية (8) قرى زراعية، مساحتها 222 هكتارا، بما هي مجال القرى المزروع من لدن سكانها، فضلا عن سكان «أيت يسمور». 


المساحة والحصة
المساحة بالحبل
حصة الري
بالأيام
القــــــــــــــــرى
10
أيت تيقرت
624
غير مقيدة
02
خرزوزا
850
غير مقيدة
03
أيت عودا
450
غير مقيدة
04.
أمالو
800
5،1
05
اللحاين
1250
5،2
06
أيت الفقيه
1100
1
07
اصدوقة
800
1
08
أيت يسمور
300
1
المجموع
6174
7

 ينتمي سكان القرى العليا، كما سلفت الإشارة إلى ذلك، وهم «أيت تيقرت»، و«خرزوز»، و«أيت عودا»، حسب الوثيقة الفرنسية المعتمدة، إلى قبيلة أيت يزدك، بكاف معطشة. لذلك يستفيدون من الماء بدون أي مجهود أو تعاقد (prestation) وأما سكان القصور السفلى التي تؤوي «القبائل»، أي: الأقليات من الشرفاء، والحراطين، وعناصر أخرى، حسب الوثيقة، فهم منقطعون  لأشغال الساقية، وشراء الأرض التي ستمر منه الساقية إن حصل انجرافها. وأشارت الوثيقة الفرنسية إلى سكان القصور الأربعة السفلى أنهم كانوا يملكون ساقية لهم، ولما دفعتهم الضرورة لاعتماد الساقية التي تنبع من السد المقابل للريش، ظلوا يستفيدون من فائض مياه القصور العليا. وأشارت الوثيقة ، فضلا عن ذلك، أن قصر «اصدوقا» مندرس، لذلك توزع سكانه على قصور أيت تفركان الممتدة على الضفة اليسرى لواد زيز. ويجري على أيت يسمور، بما هم سكان «أيت تيقرت»، من قبل، العرف الحاصل هناك، فلا يشاركون في أشغال الساقية، ولا يؤدون ثمن شراء الأرض، كلما دعت الضرورة لتغيير مسارها عقب الانجراف الذي يقع عليها. ويمتع العرف بالتفضيل كل من أقدم من سكان القصور العليا على شراء أرض زراعية ببساط مزارع القصور السفلى، أي: إنهم لا يشاركون في أشغال الساقية، ولايؤدون واجب الخسائر التي يسببها انجراف القناة، لكنهم مدعوون لاحترام دورهم في السقي وفق يومية الدورة الزمانية التي وضعتها القصور السفلى. وإن للاستفادة من المياه في فصل الصيف شرطا، خاصا بفلاحي سكان القصور السفلى، كنحو ألا يكون الحقل قد زُرع قمحا أو شعيرا في فصل الشتاء، عدا الحقول المخصصة لنبتة الفصة. ويتعلق هذا الشرط بوجوب احترام الدورة الزراعية، بتخصيص حقول الفول واللفت والحقول الراقدة لزراعة الذرة. وأشارت الوثيقة المعتمدة إلى عقد، غير مؤرخ، مفاده أن الجماعة السلالية لقصر أيت الفقيه، واصدوقا أشهدوا لدى السلطات أن لسكان قصر اللحاين حقا في مياه الساقية الكرسية يداني يومين ونصف، ضمنه ثلاث ليال، وأن لسكان أمالو يوما ونصف اليوم، وضمن حصتهم ليلة واحدة. وتمتد حصة سكان قصر «أمالو» من طلوع شمس يوم الأحد، إلى موعد ظهر يوم الإثنين، وحصة سكان اللحاين أريد لها أن تحل يوم الإثنين ابتداء من موعد الظهر إلى مطلع شمس يوم الخميس. وأما سكان قصر أيت الفقيه فحصتهم في الري تمتد من طلوع شمس يوم الخميس إلى طلوع شمس يوم الجمعة، وتمتد حصة أيت يسمور إلى طلوع شمس يوم السبت، ثم تحل حصة سكان قصر اصدوقة المندرس، وتنتهي الدورة الزمانية لفائدة القصور السفلى، بعد أن غطت أسبوعا كاملا.
«يعود الصراع حول الماء بقرى «الكرس» إلى القرن التاسع عشر»، أي: إلى يوم تراجعت فيه تجارة القوافل «التي لعبت فيها حاضرة الكرس دورا غير منكور بفعل موقعها الإستراتيجي في المحور التجاري بين سجلماسة وفاس». وعقب تراجع المحور وجدت أيت يزدك نفسها مجبرة على العيش على موارد الأرض ازراعية، فما كان لها، بعد أن نضب مورد الخفر و«الزطاطة» إلا السيطرة على موارد الماء، والأرض الزراعية الخصبة، وليس هناك ما يمنعها، يوم علا شأنها في عهد الشيخ إبراهيم يسمور اليزدكي من استعباد الأقليات العرقية. هنالك وجب تمحيص فرضيتين اثنثين:
الفرضية الأولى تفيد أن حاضرة الكرس كانت أقامت الضيعات الزراعية بالضفة اليسرى لواد زيز، ولها ساقية تقتبس ماءها قرب فج «توليشت». وتمتد الساقية بجنوبي جبل «أسامر ن تصالحت»، متجهة نحو الشرق. ولا يزال آثار الاستغلال الزراعي باديا بمحيط منزه الغالية الآثاري، ولا تزال مقابر حاضرة «كرس لوين» بارزة بالضفة اليسرى لواد زيز. وحصل أن غير واد زيز مجراه، وبات سريره ممددا بشمال المدينة، بل إنه فصل المدينة عن مجالها المعمر بالقبور وبالحقول الزراعية. وبموازاة ذلك، تعمق مجرى رافد زاوية سيدي حمزة بفعل التعرية النهرية فكان من المستحيل إنشاء سد مرتفع، فلا حل إلا التفاوض مع سكان القرى العليا « أيت تيقرت، خرزوزة، وأيت عودى» لتمديد ساقيتها أن تروي ضيعات سكان الكرس، من تحتُ، بالضفة اليمنى لواد زيز، فاستجابت مقابل شروط تضمنها العرف.
الفرضية الثانية أن أيت يزدك « استعبدت الأقليات العرقية، وسيطرت على الخصب من الأرض وعلى الحي من منابع الماء وعلى حصص الأسد في دورات السقي الزمانية، وفي بعض الأحيان تستفيد خارج التناوب كما حصل في الساقية «الكرسية»، حيث نلفى العشائر اليزدكية من علُ تستفيد من الساقية بدون المشاركة في تشييد السد ومد القنوات والصيانة المستمرة عقب كل فيضان واد زيز». وتأسيسا على ذلك فرضت في بنود عرف الري ما شاءت وما كان لها ملائما.
وكيفما كانت حقيقة الأمور، أن تكون بمثابة علاقة القوي والضعيف، والغالب والمغلوب، فإن العرف بات معمولا به أمدا بعيدا إلى حدود سنة 1979، «حيث شاءت الصدف أن ينسف فيضان واد زيز سد الساقية، ويجرف القناة عن آخرها، فأصبح من الصعب على الأقليات العرقية»، وهي على سبيل التذكير، سكان القرى، « أمالو، اللحاين، أيت الفقيه، اصدوقا»، أي: تلك «التي فرض عليها العرف القيام بأشغال بناء الساقية، إعادة الساقية إلى وضعها الطبيعي. وبتعبير آخر طالبت الأقليات بالمساواة في الحقوق والواجبات. لكن سكان قرى أيت يزدك، وبدعم من السلطة رفضت مطالب الأقليات»، وتشبثت بإعمال العرف الساف ذكره، «لذلك توقف نشاط الساقية الكرسية». وحصل في سنة 1983، «بعد اعتقال عدة أشخاص ومحاكمتهم أن طالبوا، في الواقع، بالمساواة في الحق في الولوج إلى الماء»، واتهموا «بتهمة الهجوم على السلطة، ارتأى المجلس الإقليمي»، لإقليم الرشيدية، وقتها، و«بتنسيق مع المصالح التقنية إصلاح الساقية... وبعد انتهاء الأشغال سنة 1985 اختفى العرف المنظم للسخرة بضع سنين وأصبح توزيع الماء قائما على التناوب بين فلاحي القرى السبع جميعهم. لكن للأسف، سرعان ما عاد القديم إلى قدمه». لكن التحولات التي صاحبت التغيرات المناخية فرضت واقعا آخر. «فبعد سنة الماء ووفرته سنة 1996 تكررت السنوات العجاف»، ونتج الوضعا التالي:«
-        كانت أزمة الجفاف قبل سنة 1996 مرحلية، قد تدو شهرين على الأكثر (يوليوز وغشت)، وأصبحت تنتقل إلى قلب الموسم الفلاحي.
-        التربة في القرى العليا رملية وحصوية بشكل لا ينفعها أي تنظيم للماء، فهي لا تطيق أي دورة زمانية يفوق أمدها أسبوعا كاملا.
-        الاستفادة الجزافية من الماء الذي تتمتع به القرى العليا فرض جفافا قسريا على القرى السفلى التي نشأت منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي تطالب بالمساواة في توزيع المياه الفلاحية، وفي أشغال تجهيز الساقية.
-        امتداد الأزمة من أسفل الساقية إلى أعلاها، ومن أواخر الموسم الفلاحي إلى قلبه، حول الأزمة من المطابة بالمساواة في توزيع المتوافر من مياه واد زيز إلى البحث عن البديل في الموارد والإمكانيات. وفضل الذين الذين لم تقنعهم الهجرة إلى المدينة الشروع في حفر الآبار واللجوء إلى تقنية الضخ».
إن إيجاد حل لمشكل الماء في قرى اكرس يفتح آفاقا واسعة للتنمية القروية، وإنقاد المنطقة من من شبح الهجرة والتصحر ومختلف مظاهر الفقر، خصوصا وأن البساط الذي تغذيه الساقية يحوي المغروسات ومزروعات الفصة والخضراوات مبينة في الجدول التالي:
نوع الشجرة
العدد
الزيتون
21180
التفاح
4400
المشمش
720
مختلفات
1200
 وفوق ذلك ساهم مرور الطريق الوطنية رقم 13 قرب واحة كرس لوين الباردة في انتشار الزراعة التسويقية وتطورها، إذ تشكل « العمود الفقري في دعم تعاونية حليب الريش التي تغذي جل أسواق الجنوب الشرقي بالحليب ومشتقاته. وقطعت التعاونية أشواطا في زراعة الخضر التي تغزو بها أسواق المراكز المجاورة».
لحسن أيت الفقيه

mercredi 30 janvier 2019

الماء واستيعاب التعدد العشائري بحوض زيز - زيز العالي نموذجا


يستقيم توزيع الماء في المزارع المسقية بحوض زيز على الإثنوغرافيا، وعلى الوظيفة، أيضا. ولأن الوظيفة تقوم، عادة، على وطر الثقافة، فإن الإثنوغرافي، هنا، يلتهم بالقوة الثقافي، لعلاقته بالهوية الثقافية، إن لم يكن هو معقلها. 

 


  صحيح أن الإثنيات مدفوعة وفق القرابة الدموية، إلى اكتساب حصص ماء محضة، في الساقية أو العين، بالشكل الذي يدرأ الصراعات الدموية مع غيرها، ويذرأ قيم السلم والاستقرار، لكن تقسيم الماء لا يقوم على أساس إثني إلا سؤلا في التحصين، وفق ما تفرضه ثقافة الخوف. وفوق ذلك ساد اعتقاد يفيد أن الأباليس الشريرة تسكن الماء، وطالما تكون وراء كل شنآن ذي صلة الماء، يؤسس لعداوة تدوم بعيدا بين الأشخاص والعشائر. هنالك كثر الذين ماتوا أو قتلوا بسبب الماء، في الواحات الباردة والساخنة بالجنوب الشرقي المغربي. ونسجل أن الإثنوغرافيا وحدها أساس غالب في توزيع حصص الماء، وإنشاء دورات السقي.
وباختصار شديد، يعكس الماء، في الغالب، النظام العشائري السائد. وحسبنا أن قيم السلم ومعاييره وقيم العرف وأسسها يُرى إعمال بعضها في مجال الماء. لذلك حسنت رؤية الماء من منظور عشائري استحضارا للقرابة بين الإنسان والأرض. وبعبارة أخرى ما كانت الأرض لتقتصر على الوظيفة بعيدا عن اللباس الإثنوغرافي، فالمال الذي لا يشبه صاحبه حرام، كما يقول المثل المغربي.
إن أول ما قامت به سلطات الحماية الفرنسية عشية تحقيقها لما يمسى تهدئة المغرب والسيطرة عليه عسكريا، تدوين النظم القبلية المبنية على أعراف سمتها أنها شفاهية، أو اتفاقيات مدونة تدعى بالأمازيغية «تاعقدت»، لكن نسخها المخطوطة نادرة. فالعرف، وإن حصل تدوينه بإحدى الزوايا، كنحو الزاوية العياشية والزاوية الوكيلية، وزاوية سيدي أبي يعقوب بأسول، أو بأحد مراكز التوثيق بمدغرة ومزكيدة، بكاف معطشة، فإنه سرعان ما يتحول بتكرار توظيفه وتطبيقه إلى تقليد شفاهي محترم. وحينما يترسخ التقليد يجري الاستغناء على المخطوط، الذي يتلاشى مع مرور الوقت. ويمكن الوقوف عند فرضيتين اثنثين أولاهما، أن كل النظم مدونة، في الأصل، إن هي إلا  اتفاقيات من صنف «تاعقدت»، لكن مراجعها سرعان ما تلاشت واختفت من الوجود. وثانيتهما أن الممارسة الاتفاقية، بالمفهوم التقليدي، المعمول بها في الميدان، لم تدون كلها، وإن ولدت كاملة، ومع مرور الوقت تسقط بعض البنود التي لا يجري توظيفها واعتمادها، بالمرة، ويقاوم الدهر ما يجري تذكره يوميا، والعمل به. وفي جميع الأحوال يجوز القياس على المخطوطات، بما هي مراجع لاتفاقيات شاملة لجميع البنود لإضافة ما سقط منها لعدم تكرار إعماله.
ويعد الماء ممارسة اتفاقية شاملة للمحافظة على إعمالها واحترامها. وسواء حافظ الدهر على النص الاتفاقي، أو لم يحافظ عليه، فنظم الماء تقاليد شفاهية يمكن ملامستها في الميدان. سيجري التركيز في هذا المقال على  التقاليد الشفاهية الهيدرولوجية، بمجموعة تماكورت القروية وبمجموعة زاوية سيدي بوكيل
يعد فج تكندوزت، بكاف معطشة، حدا جغرافيا وإثنوغرافيا وإداريا بين مجالين: أحدهما يمتد غربا ليشمل منابع نهر واد العبيد وواد زيز، معا، يفصل بينهما مقسم الماء «تيوورا» وهو مجال قبلي لأيت يحيى وأيت حديدو، وأيت عبدي، والثاني يمتد شرقا ليغطي مجال أيت يزدك، بكاف معطشة، وثلة من الأقليات العرقية. ومن حيث التقطيع الإداري فالفج المذكور حد فاصل بين دائرتين إداريتين: دائرة الريش ودائرة إملشيل، كلتاهما تقع بإقليم ميدلت. وسيجري في هذا المقال التركيز على جزء من المجال الثاني، مجموعة زيز العالي.
تنتظم مجموعة زيز العالي القروية في مجموعتين متجانستين، مجموعة تماكورت، ومجموعة زاوية سيدي بوكيل. تضم مجموعة زيز الأعلى القرى التالية: «تماكورت تمزيانت»، أي: الصغيرة بالأمازيغية، و«تماكورت تخاتارت»، أي الكبيرة بالأمازيغية، وتابوشيحات، وأيت مولاي المعطي، وامزيزل وكفاي، بكاف معطشة «أكفاي»،  وزاوية سيدي بوكيل: (تزروت، وأيت وماس، وأي عمرو) وتابية، وباليث.
1- مجموعة تماكورت
المقصود بمجموعة تماكورت، بكاف معطشة، القروية القرى التالية: تماكورت الكبيرة، وتماكورت الصغيرة (تيغرمت)، على الضفة اليسرى لواد زيز، وتابوشيحات، وأبت مولاي المعطي، وامزيزل على الضفة اليمنى لواد زيز. تخترقها الطريق الجهوية، رقم 706، الرابطة بين الريش وإملشيل. تقع بالأطلس الكبير الشرقي غرب دائرة الريش الإدارية.
أ‌-       سد إمي ن تقات:
إن أول سد تقليدي «أكوك» بالأمازيغية (ينطق بكاف معطشة)، تصادفه بفم الفج، وعلى سرير واد زيز «أكوك ن إمي ن تقات»، «Ugug n imi n taqqat». ويعني الاسم بالأمازيغية سد فم الفج، الكائن لري أرض الضفة اليسرى لواد زيز، أرض الزاوية الوكيلية الزراعية. تقدر مساحة تلك الأرض ب150 حبلا بقياس المنطقة، والتي تضاهي  هكتارات. ظلت هذه الأرض منذ أمد بعيد تستأجر من لدن فلاحي قريتي تكندوزت وتماكورت. ولا نعلم متى اشترت الزاوية الوكيلية هذه الأرض، أو حازتها على سبيل الهبة من لدن أحد المحسنين علما أن الزاوية المذكورة تطعم الطعام على حبه إلى حدود يومه.
ب‌- سد تماكورت
شُيد سد يزود ساقيتين، حسب ما ضمنته نسخة مقتبسة من مركز الأرشيف الديبلوماسي لمدينة نانت، «Centre des archives diplomatiques de Nante».
 الساقية  الأولى تخص أرض الضفة اليمنى لواد زيز تسمى ساقية «تسيقلت»، «Tissiqlt»، وتمتد لتمر بمجال قريتي «تابوشيحات»، التي تسمى اختصارا «بوشيحا»، و«أيت مولاي المعطي». وإنك تلفى بالضفة اليمنى لواد زيز أرض سكان مجموعة تماكورت القروية، عدا قرية امزيزل. تقدر مساحة أرض «تيسيقلت»ب2040 حبلا ب74 هكتارا 
الساقية الثانية ساقية «تماجيالت»، وهي الساقية الممتدة من فوقُ حسب المعنى الأمازيغي للاسم. تغطى ساقية «تماجيالت» أرضا زراعية تضاهي 79 هكتارا (2190 حبلا). وتهم هذه الساقية كل أرض مجموعة تماكورت القروية.
تتجذذ حصص الري بالساقيتين كلتيهما في دورة زمانية تضاهي 18 يوما. موزعة كالتالي:
-         نصيب تماكورت الكبيرة ستة 8 أيام.
-        نصيب تماكورت الصغيرة «تيغرمت» ستة 6 أيام.
-        نصيب قرية يت مولاي المعطي يوم واحد (1).
-        نصيب قرية امزيزل يوم واحد (1).
-        نصيب تابوشيحات يومان (2).
اهتدت مجموعة تماكورت القروية إلى توزيع الماء إلى وحدات زمانية تسمى البرج. ولقد فضلت تقديم الأرض على العرق  في توزيع الماء، درءا لوقع الإثنوغرافية لان المجموعة القروية وسط متعدد إثتوغرافيا. للبرج أوان زماني قوامه نصف اليوم.
ينتظم الري بمجموعة تماكورت القروية بنظام الأبراج. كل برج تناسبه مساحة 120 حبلا، تكفي لإعالة ثلاثة أسر، وكل برج يساهم بأربعة (4) عمال زراعيين ينقطعون لأعمال صيانة الساقية.
ج- سد امزيزل
تمتد الساقية التي تجلب الماء إلى قرية امزيزل من سد امزيزل، وتتجه بمحاذاة الضفة اليمنى لواد زيز. تسقي السااقية مزارع ثلاث قرى مبينة في الجدول التالي:

المساحة والحصة
المساحة بالحبل
حصة الري
بالأيام
القــــــــــــــــرى
01
قرية امزيزل
360
12
02
قرية ايت مولاي المعطي
360
01
03
تابوشيخات
30
01
 المجموع
750
14

يلاحظ الخلل في التناسب بين المساحة الزراعية وعدد أيام الري المخصصة لها. ويبدو أن مرور ساقية امزيزل بمزرعتي قريتة تابوشيحات وقرية أيت مولاي المعطي، كان يجري في الغالب مقابل يوم واحد من الماء.
02-مجموعة سيدي بوكيل
عرفت شبكة الري في مجموعة زاوية سيدي بوكيل القروية بعض الاضطرب، يتوجب تتبعه باستنطاق النزر الذي يمكن تلمسه أن كان مستطرا ضمن الوثائق أو مبينا آثاره في الميدان. يمكن الحديث عن خمس قنوات للري حافظ الدهر على ساقيتين اثنثين: ساقية زاوية سيدي بوكيل وتمتد في الضفة اليسرى لواد زيز، وساقية تماجيالت وتمتد على الضفة اليمنى لواد زيز وأما السواقي الأخرى فقد أهملت واستغني عنها بعد مرور الزمان.
تشكل القرى الأربع، «كفاي»، بكاف معطشة، و«زاوية سيدي بوكيل»، و«تابية»، «وباليث»، وحدة متجانسة بحوض زيز الأعلى. وتكمن الوحدة والتجانس في هذه القرى في طبيعة الأشغال الجماعية ونظامها، وفي أسلوب الري، وفي التعاون والتفاهم حول كل ما من شأنه أن يخدم النشاط الزراعي التقليدي.
تنحصر هذه الوحدة الزراعية المتجانسة بين وحدتين متجانستين، وحدة تيغرماتين شرقا، ووحدة تماكورت السالف ذكرها غربا. وأما يمينا وشمالا فأرض الجموع التي تشكل بساطا ملائما للرعي وللسكن القروي فقط، لأننا بصدد الحديث عن إقليم بيومناخي شبه جاف، يسمى بالأمازيغية «أمردول»، الأرض التي تنبث نباتا طبيعيا غير مزروع.
وتعد قرية زاوية سيدي بوكيل أكبر تجمع سكني في الوحدة، إنها أكبر قرية بالمجموعة القروية على الإطلاق. لذلك جاز تسميتها مجموعة قرى زاوية سيدي بوكيل. وعلى الرغم من أهمية الوحدة من حيث الديموغرافيا فإن وضعها مختلف جدا إذا ما قورن بوضع جارتيها الشرقية والغربية. ذلك أن ما جرى إنجازه في ميدان الري بعيد كل البعد عن ملامسة جوهر المشكل، بل لم يرق على الأقل للمحافظة على الوضع التقليدي السائد، قبل عصر المشاريع التنموية، وقبل تداول عبارة «الوسط القروي»، أو«العالم القروي»، وجعلها خطابا للاستهلاك.
لقد تراجع نظام الري تراجعا خطيرا يثير حساسية كل ذي ضمير حي. ولا يزال المعنيون يتعاملون معه بتغافل ويعرضون عن كل محاولة تستهدف إنقاد الوضع مما يؤدي إلى السقوط في مأزق بيئي لا تنفع معه أية حلول.
ولعل ساقية «تاخالطت» مثلا أحد  عناصر الشبكة الهيدرولوجية داخل الوحدة المؤهلة لتصبح نموذجا للمأساة حيت توقفت عن الري منذ أربعين سنة، وتعامل معها المسؤولون بأسلوب التغافل. وهذا النموذج صورة مصغرة ستلحق بالتأكيد الوحدة الزراعية المتجانسة القائمة أساسا على الري.
أ‌-       ساقية زاوية سيدي بوكيل
تمتد على الضفة اليسرى لواد زيز، لتسقي 241 هكتار، موزعة في مزارع  أربع قرى:

المساحة والحصة
المساحة بالحبل
حصة الري
بالأيام
القــــــــــــــــرى
01
كفاي، (أكفاي) بكاف معطشة
1200
03
02
زاوية سيدي بوكيل
2600
03
03
تابية
2413
03
04
باليت
500
01
المجموع
6713
10

لا تقتبس ساقية زاوية سيدي بوكيل ماءها من عين حية، لذلك ينتابها الجفاف. وتمتد ساقية زاوية سيدي بوكيل على الضفة اليسرى لواد زيز، وتزود القرى الأربع بالتناوب بالتناوب وفي دورة زمانية تبلغ 10 أيام : ثلاثة أيام لقرية «كفاي»، وثلاثة أيام لقرية «زاوية سيدي بوكيل»، وثلاثة أيام لقرية «تابية»، ويوم واحد لقرية «باليث»، وهي مزرعة حازها سكان قرية زاوية سيدي بوكيل بالشراء.
-        تقتبس الساقية المياه بواسطة سد تقليدي عتيق «أكوك» بالأمازيغية. يقوم الفلحون بتشييده كل مرة بعد نزول الأمطار التي تسبب في الغالب فيضانات مهولة تنسف كل السدود التقليدية المشيدة على الواد.
-        ساقية «تماجيالت»
-        تعني ساقية «تماجيالت» بالأمازيغية الساقية التي تمتد من فوق اعتمادا على مرجع اتجاه الماء الذي ينطلق من أرض مرتفعة ويتجه إلى الأرض المنخفضة. تمتد ساقية «تماجيالت» على الضفة اليمنى لواد زيز.  وتستفيد منها مزرعتان فقط، مزرعة «كفاي»، ومزرعة «زاوية سيدي بوكيل» في دورة زماية تضاهي أسبوعا من الزمان، موزعة ببالتساوي بين القريتين بواقع ثلاثة أيام لكل مزرعة، وخصص اليوم السابع لممتلكات زاوية سيدي بوكيل. تنتظم الدورة الزمانية على شكل النظمة التالية: (3+3+1). ولا يختلف وضع هذه الساقية من حيث التجهيز والتنظيم وتويع الأشغال عن الساقية السابقة.
-             ويستنج من مضمون كلمة «تماجيالت»  أن سد الساقية يتموضع بأعلى سواقي مجموعة سواقي زاوية سيدي بوكيل جميعها. لم تحدد النسخة المقتبسة من مركز الأرشيف الدبلوماسي لمدينة نانت، «Centre des archives diplomatiques de Nante»، نعت هذه الساقية، إذ سمتها خطأ ساقية «تخالطت»، وأقرت الوثيقة أن الساقية تسقي أرضا بقرية امزيزل ، تضاهي 30 حبلا، وذاك معطى يصعب تصديقه أو دحضه لأن الوثيقة تحوي إحصاء سنة 1928 بالضبط، وقد يكون واد زيز قد جرف الأرض التي يملكها سكان امزيزل بالبساط الذي تعلوه مياه ساقية «تماجيالت». يتوزع أرض الساقية، حسب الوثيقة، كالتالي:

المساحة والحصة
المساحة بالحبل
حصة الري
بالأيام
القــــــــــــــــرى
01
امزيزل
30
01
02
كفاي، (أكفاي) بكاف معطشة
800
03
03
زاوية سيدي بوكيل
940
03
04
ضريح سيدي بوكيل

01
المجموع
1770
08
وفي وقتنا الحاضر، لم تعد قرية امزيزل تستفيد من مياه ساقية «تماجيالت»، إن كانت تستفيد، بالحق، من مياه هذه الساقية، لذلك انحصرت دورة السقي في 07 أيام وفي شهر أكتوبر من العام 2018، احتج سكان قرية كفاي (أكفاي) بكاف معطشة على ااستفادة المجانية للضريح من مياه الساقية، وطالبوا نفقات الأشغال من لدن الزاوية الوكيلية مادامت تملك أرضا تسقيها ساقية «تماجيالت». ويبدو أن توزيع غلاف الماء على الأسبوع يتناسب والنظمة العددية المعروفة في مجموعة من ألأوساط أن ترسم بالكتابة العددية (3+3+1)، أو (3+3+3+1)، فاليوم الباقي من دورة المياه يخصص للمسجد أو الضريح، أو القائد، ويوظف وفق مآرب أخرى. ومعنى ذلك أن الوثيقة الفرنسية التي زعمت أن دورة الماء، لساقية «تماجيالت»، تنحصر في 8 أيام، مجانبة للصواب.
-        ساقية «تاخلطت»
-        يوجد سد ساقية  في موضع يقابل باب قصر كفاي (أكفاي) بكاف معطشة، وهو قصر مندرس. كانت تسقي ساقية «تخالطت» حسب النسخة المقتبسة من مركز الأرشيف الدبلوماسي لمدينة نانت، «Centre des archives diplomatiques de Nante»، أرض زاوية سيدي بوكيل وحدها (500 حبل)، وتمتد شرقها مساحة (170 حبلا)، صالحة للزراعة لم يعرف بعد من كان مالكها. ولم يحدث حسب الرواية الشفوية أن جرى حرث تلك الأرض التي يطلق عليها (إغرغرن). نشطت ساقية تخالطت أمدا بعيدا، وكانت تحرك حجرة رحى مائية في عهد الحماية الفرنسية. جرفت مياه واد زيز سد الساقية وقناة المياه منذ الثمانينيات من القرن الماضي. لذلك ظل الفلاحين يستعيرون مياه الري من ساقية «تماجيالت». تمتد مزرعة «تخالطت» وساقيتها عى الضفة اليمنى لواد زيز. ومع استفحال وقع التغيرات المناخية ازداد خطر التعرية على مزرعة «تخالطت» بكاملها.
3- الماء واستيعاب التعدد العشائري بحوض زيز
لئن ساهم اليهود الأمازيغ في إرساء نظم توزيع حصيص الماء في معظم الأشرطة الزراعية بالجنوب الشرقي المغربي، فأضحى التوزيع وظيفيا قائما على مسح الأرض، وتجذيذها في ملكيات زراعية، فإن شبح النزاع على الماء انجرت عنه أهوال تغليف حصص توزيع الماء باللباس العرقي. لذلك جرى، لدرء الصراع حول الماء في وسط متعدد عشائريا، اهتدت مجموعة تماكورت القروية إلى تقديم وظيفة الأرض على العرق، وذلك بالعمل بنظام الأبراج. وتفيدنا نظم الماء في معرفة الماضي الإثني للكثير من القرى، ونخص بالذكر مجموعة تماكورت القروية التي تعمل بنظام الابراج. وإن الموضوع يحتاج إلى مزيد من الحفر، رجاء في تدوين التراث.
تعد «تامزداغت»، إلى جانب «الحبل» الوحدتين الأساسيتين لقياس مساحات الأرض الزراعية بحوض زيز. وتضاهي «تامزداغت» لدى سكان تماكوت 30 حبلا، وهي أقل من  «تامزداغت» أيت يزدك التي تقدر ب«40» حبلا. والأصل في «تامزداغت» أن تكفي لإعالة أسرة واحدة، وهي المساحة التي يمكن أن يستقر عليها الشخص هو وأسرته لممارسة الزراعة والتمتع بحياة الاستقرار، أي: «أزدوغ» بالأمازيغية. وتكاد «تامزداغت» تحمل معنى المستوطنة الزراعية.
ويكفي البرج، وفق قياس مجموعة تماكورت القروية، لإعالة أربع أسر، فإذا قسمنا المساحة الكلية نلفى أنها تضاهي 18 برجا، كل برج يعيل أربع أسر ويساهم في أشغال الساقية بأربعة عمال زراعيين، والبرج 120 حبلا. فهناك أسر تملك مساحة تقل عن  «تامزداغت»، وأخرى تحوز حقولا تفوق مساحتها «تامزداغت»، ويمكن لعشيرة أن تملك برجا كاملا من الأرض. وكل ذلك ساهم على استيعاب التعدد العشائري.
انتظمت العشائر في الأبراج الزراعية، فكانت – الأبراج- عينة دالة على معرفة الأصول التي قدمت على استيطان تماكورت لممارسة الزراعة المسقية بحوض زيز الأعلى. ويبين الجدول أسفله الأصول الإثنية للمجموعة القروية «تماكورت تاختارت»، على سبيل المثال.

الترتيب
البرج
المستوطنة القروية
الأصل الإثني
1
أيت زاطي
تماكوت تاختارت
أيت يزدك
2
أيت تعلاوت
تماكوت تاختارت
أيت حديدو
3
أيت الزاويت
تماكوت تاختارت
الزاوية الوكيلية
4
أيت اعدى
تماكوت تاختارت
أيت حديدو
5
أيت عدي مرغاد
تماكوت تاختارت
أيت مرغاد
6
تيمشركين
تماكوت تاختارت
الشركاء
 وعلى شاكلة تنظيم العشائر في وعاء الأبراج جرى تنظيم المجال المعمر إلى أحياء عشائرية  لضمان الانسجام الثقافي
لئن كانت مجموعة «تماكورت» تعتمد على البرج الذي يفرض على كل من يملك «تامزداغت» أرضا أن يعين عاملا زراعيا فإن النظام بمجموعة قرى زاوية سيدي بوكيل يقضي أن عدد العمال الذين يلتحقون بالسد للمشاركة لغاية الترميم الجماعي، وكل ما يتصل بشأن تجهيز الساقية، يحدد وفق المعايير التالية:
أ‌-      حد الصائم:  حين ينادي المنادي «البراح» على الفلاحين أن يهبوا لأعمال الساقية وفق معيار «حد الصائم»، فإن الكل يحضر للمشاركة في تشييد السد. وتعني «حد الصائم» كل الفلاحين البالغين سن الصوم. ويعتمد هذا المعيار كلما تضررت شبكة الري كثيرا من الانجراف.
ب‌- عامل لكل «أعديل»
«أعديل» وحدة لقياس المساحات الزراعية، يضاهي 20 حبلا. يعتمد هذا المعيار كلما كان الضرر قليلا، أو كانت الأشغال تتطلب مدة طويلة. ويسمح هذا المعيار بتنظيم الفلاحين على شكل مجموعات متناوبة على الشغل بناء على مساحات الممتلكات. فالذي يملك مثلا خمسة أحبال غير ملزم بالحضور الدائم في الورش الجماعي، فهو مدعو للحضور مرة واحدة والتخلف عن موعد الأشغال أربع مرات، والذي يملك أربعين حبلا مدعو للحضور الدائم صحبة عامل مأجور.
ج- العمل بناء على حصة الماء في دورة الساقية الزمانية
إذا صادف انهيار السد التقليدي حصة قرية «كفاي»، مثلا، فإن سكان هذه القرية لن يترددوا في مناداة الفلاحين فورا، وفق معيار «حد الصائم» لأن القرية لا تبتغي  ضياع نوبتها، وإذ تساعدها القريتين الأخريين فإن حضورهما للمساعدة فقط. وباختصار إن معاناة الفلاحين والسد مستمرة، مالم يفكر المسؤولون في إنقاذ الوضع.
وتلائم نظم العمل المشار إليها التعدد الثقافي داخل مجموعة قرى سيدي بوكيل، ذلك أن كل القرى الأربع تؤوي أقليات عرقية.
لحسن ايت الفقيه