ذرونا نتذكر أن سكان واحات تافيلالت كانوا
استبشروا، في بحر خريف عام 2006، خيرا لما أُخبروا من لدن الجهات الرسمية المسؤولة
بإقليم الرشيدية بأن كمية الماء بسد الحسن الداخل ارتفعت لتبلغ 56 في المئة فقط، وهي
الكمية التي شاء القدر أن تبلغ 100٪ ريث إصابة المنطقة إعصارٌ، يوم الجمعة 10 من أكتوبر 2008، وتحقيق
مرور الماء في قناة تصريف فائض الماء المشهورة إعلاميا ب(Déversoir)، ولأول مرة في تاريخ سد الحسن
الداخل، يوم الاثنين 20 من أكتوبر من العام 2008. وللأسف جرى تراجع مخيف ابتداء من
سنة 2009 إلى منتصف سنة 2014 حيث غضبت الطبيعة، وجف الربوع، ويبس التراب والمرعى
والشجر، ليعود الغيث إلى النزول، مجددا، ابتداء من يوم الأحد 21 من شهر شتنبر من
العام الجاري 2014، ويعود ثانية يوم 20 من شهر نونبر الموالي. وكان واد زيز قد فاض،
للتذكر، مرة واحدة، في بحر الشدة والعسر، وذلك يوم السبت 17 من شهر مايو من العام
الجاري.
ولئن كانت
الكمية تبدو حسنة في العقد الأول من الألفية الثالثة، وحصل بعض التحسن سنة 2014، فإنها
غير ذات أهمية إذا استحضرنا سعة السد التي تتناسب وشساعة سهل تافيلالت......، إنها
غير ذات أهمية، في المبيان الهيدرولوجي للسد الذي يغطي إفريزا زمانيا، يبدأ من أواخر
الستينات من القرن الماضي إلى ليلة العشرين من شهر أكتوبر من العام 2008.
وإذا كانت
الغاية من بناء السد، الذي ساهم فيه كل المغاربة، درء مفسدة الفيضان والسيلان ليس
إلا، خشية تكرار فيضان 1965، الذي يضاهي فيضان سنتي1925، و1942، فإن بعض الجهات تحسبه، عن
تغافل لا عن غفل، سدا فاصلا بين نطاقين جغرافيين غير متجانسين في الإمكانيات
التنموية المتوافرة في الحال، والتي يمكن توفيرها في المآل. وحسبنا أن فيضانات 25
مايو من العام 2006، التي حب الكل أن يسميها وقتها (تسونامي الرشيدية)، والتي ساهمت
في الكشف عن ازدواجية التعامل السوسيومجالي والتنموي بإقليم الرشيدية وقتها، التعامل
الذي أضحى، بعد ذلك، وللأسف، متجاوزا [اسم الفاعل] الميز الجغرافي بين نطاقين
سوسيومجاليين، شمال السد وجنوبه، ليحوس الإهمال الكلي لأعالي زيز، نقول ساهمت في
كشف ذلك الميز حيث نزلت المساعدات منطقة مرزوگة وغاب من بكى أهوال الريش، وإنه
لإهمال تعمق بعد إحداث إقليم ميدلت، في بحر سنة 2010.
نعود، معتذرين
عن الحشو، لتعميق النبش في ذاكرة الميز الجغرافي - وهو ميز يجوز نعته عنصريا، لأن
ميز المجال يعني ميز الإنسان والحيوان الذي يديب على الأرض/المجال – ولنقف عند
ذاكرة الإهمال الكلي للأطلس الكبير الشرقي. كلنا يتذكر تلك المساعدات المهولة
-السالف ذكرها والمتكرر ورودها- التي استفادت منها منطقة مرزوگة التي تشبه في
الخسارة المادية والبشرية منطقة الريش الجبلية الأطلسية، للكشف عن نية الميز
الجغرافي في إقليم الرشيدية وقتها، الإقليم الذي كان يغطي جزءا كبيرا من جبال
الأطلس الكبير الشرقي، من خوانق أسيف ملول إلى تخوم قرية أيت أحماد أوحدو بإقليم
فيجيج. مفاد ذلك أنه يوم الجمعة 27 من شهر أكتوبر 2006 تكرر السيناريو الطبيعي
الكارثي بمنطقة الريش التي شهدت أمطارا طوفانية، على شاكلة إعصار يوم 25 مايو
2006، فأهلك الإعصار الحرث في عالم النبات (أطنان من التفاح)، والنسل في عالم
الحيوان (57 رأسا من الماعز)، وضُربت البنية التحتية الهشة، واندرست المنازل (20
منزلا مندرسا)، وانجرفت مساحات مهمة من التربة الصالحة للزراعة بكل من القرى الجبلية، إغجد، وزاوية
سيدي بوكيل، والتجمع القروي الكرس، وأيت موسى وعلي، وحصل تهديد التراث الثقافي
للزاوية العياشية، ونسفت بعض القناطر، وتوقف الدراسة وتعثرت لمدة 18 يوما...)
وأمام هذه الكارثة المهولة لم يفكر أحد في مساعدات المنطقة الجبلية، وإن ذلك لمؤشر
كاف لبيان الميز في نطاق جغرافي كانت تغشاه خدمات جهاز إداري واحد. وبالمقابل إنك
ترى المسؤولين بإقليم الرشيدية، وقتها، يحمدون الله على نعمه، نعم المطر المتجلية في
إحياء الأرض بعد موتها، لأن (مصائب قوم عند قوم فوائد)، كما يقول المثل.
ولطمس وقع كارثة
الإعصار في شهر أكتوبر من العام 2008، والذي ضرب أعالي كير كلها، وجزءا من أعالي
زيز، تراهم يقترحون على كل زائر أجنبي للرشيدية زيارة سد الحسن الداخل لمعاينة
النعمة المخزونة في البحيرة الصناعية للسد،
كما حدث يوم الثلاثاء 21 من شهر نونبر من العام 2008. وإن غياب أي مساعدة للمناطق
المنكوبة بالأطلس الكبير الشرقي، قد عمق، بلا شك، الميز الجغرافي لا العنصري في
إقليم حدودي حساس. والغريب أن وضعية جبال الأطلس الكبير الشرقي التي مابرحت تفتقر
إلى تحديد جغرافي واضح، ولباس إداري بيّن، بحيث لم تكن هي أرض تابعة للمنطقة
الجبلية، وفق التقدير المتخلف للبعض، وما كانت من قبل، رغم انتمائها لإقليم
الرشيدية، أرضا تابعة للمنطقة الصحراوية. تفسير ذلك أنه إذا تعلق الأمر بمساعدة
الجبل، يقولون إن المنطقة تابعة لإقليم الرشيدية، إقليم صحراوي (مع توظيف عبارة
الصحراء مجازا)، وإذا تعلق الأمر بمساعدة المنطقة الصحراوية، تلفى من يقول، إن
المنطقة منطقة جبلية، لذلك طلت جبال الأطلس الكبير الشرقي مجهولة تماما، وغائبة في
الإعلام السمعي البصري، لا يذكرها رجال الصحافة إلا في أيام موسم تسييح بؤس الجبال
وتخلفها بمنطقة إملشيل. وإن سكان الأطلس الكبير الشرقي ليخشون أن تنسج الأساطير،
في المستقبل، تجعل سد الحسن الداخل حدا
فاصلا بين أهل سجلماسة المتحضرين والبدو المتعصبين، تجعله ردما بين طائفتين من
البشر، في أحسن الأحوال، وفي أسوئها بات السد يفصل بين محيطين غير متجانسين، من
حيث التقدير المتخلف، محيط الريش إملشيل وتازممارت وأعالي گير من جهة، ثم محيط
تافيلالت من جهة ثانية. ولا شك أن الخيال الشعبي سينعت سكان جبال الأطلس الكبير
الشرقي، في المآل، بأسوأ النعوت.
ولتجاوز مأساة الذاكرة، ذاكرة وقع
الطبيعة على الإنسان، هنا، حصل إحداث إقليم ميدلت، وجرى تعيين السيد العامل عليه يوم
مساء يوم السبت 06 من شهر مارس من العام 2010. ومنذ ذلك التاريخ جرى النسيان الكلي
لجبال الأطلس الكبير الشرقي، فلم يعد أحد يفكر في الجبال، عدا ذكر أنفكو لما يتعلق
الأمر بزواج القاصرات، والحديث عن بؤس الخطوبة بإملشيل. ولقد حصل تطويق القرى
ولال، وتالهمومت، وأيت سعيد، وتابية، وزاوية سيدي بوكيل، وكفاي، وتماكورت، بفيضان
واد زيز من منتصف يوم الخميس 20 من شهر نونبر من العام 2014، إلى منتصف نهار يوم
الإثنين 24 منه، تطويقا كليا، وأدرجت المأساة في المسكوت عنه. وأما ما جرفته
المياه من التربة الزراعية في الشريط الزراعي، وما هدمته من جدران واقية وُلدت
(عفوا بُنيت)، في إطار بعض الصفقات المشبوهة، ورد بعضها في برنامج فيدا (FIDA) فليس موضوعا للتفكير.
ولئن كانت
عمالة الرشيدية، قد عملت وقتها، على إنجاز قنطرة على واد زيز، بمعبر ولال، لربط
القرى المحاصرة المذكورة بالضفة اليمنى لواد زيز بالطريق الجهوية رقم 706 الرابطة
بين الريش وإملشيل، فإن عمالة ميدلت لم تفكر في رفع الحصار، وما حدث أن وسقت أي
معلومات عن النكبة الناتجة عن الإعصار، حيث تعطلت الطريق الجهوية المذكورة في معبر
واد زيز بقرية تماگوت بعض الوقت.
ولئن كانت اللجنة الاستشارية،لإعداد التقرير حول
الجهوية الموسعة، كادحةً، إذ توفقت في اكتشاف المنطقة ثقافيا، وأوصت بإعادة القديم
إلى قدمه، أي ضم جزء من جبال الأطلس الكبير الشرقي إلى تافيلالت، فإن الأمطار
الطوفانية الأخيرة أعادت سؤال الجهوية الموسعة، لا من حيث التقطيع، بل من حيث
التدبير تدبير الإمكانيات والموارد بشكل ديموقراطي، إلى الطاولة. نعم لارتفاع كمية
الماء بسد الحسن الداخل وضمان ري واحات تافيلالت التي ننتمي لها روحيا وثقافيا،
ونكدح من أجلها، لكن لا لإهمال جبال الأطلس الكبير الشرقي، ولا لجعل سد الحسن
الداخل حاجزا سوسيومجاليا، وسوسيوثقافيا، في منطقة ظلت منذ القرن السادس عشر تنعم
بالتجانس الثقافي.
لحسن ايت
الفقيه