أطلق على الملتقيات التي
دأبت الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، فرع زاگورة، المدعوة اختصارا «أزطا»،
على تنظيمها، كشكل احتفالي، بمناسبة حلول السنة الأمازيغية اسم «تاورسا». وتعني «تاورسا»
بالأمازيغية سكة المحراث. ولا غرو، ففي كل سنة تحرث «أزطا» ميدانا معينا في
الثقافة الأمازيغية، وتقلب تربته فيبرز ما كان غامضا مستترا من عوائق وشوائب وعقد
وإشكالات. ولقد رغبت هذه السنة في النبش «في سبل تدبير التعدد اللغوي والتنوع
الثقافي في الجماعة الترابية» في ندوة مفتوحة، كان أوانها الحصة الثانية من برنامج
صباح يوم السبت 23 من شهر يناير من العام 2016.
دعي لتسيير الندوة
الأستاذ الفاضل يوسف العرج الذي حب أن يفتتحها قائلا: «سعداء أن نتواصل مجددا في
هذا اللقاء، بمناسبة حلول السنة الأمازيغية 2966، وفي هذه المنطقة العزيزة علينا
تازاگورت (زاگورة)..لنواصل نقاشنا حول موضوع ذي أهمية، ونفكر فيه إن لم نعرج، وقد نعرج،
حول تفعيل مضامين دستور 2011، في الفصل المرتبط باللغة والثقافة الأمازيغية،
ودورها في الحياة اليومية وفي الحياة العامة. والعنوان الذي أريد للندوة وُضع أملا
في يؤطر نقاشنا، في هذه الجلسة، هو (سبل تدبير التعدد اللغوي والتنوع الثقافي في
الجماعة الترابية).
فبعد أن اعترف الدستور
المغربي بالتنمية اللغوية وبالوضعية الجديدة للثقافة الأمازيغية، كلغة رسمية
للبلاد، إلى جانب اللغة العربية، هناك تمظهرات قد تترتب، بالتأكيد، حول هذا الاعتراف. وإن من بينها
ـالتمظهرات ـ ما هو ذو طابع سياسي وقانوني
إلى جانبه ما كان يلازم المؤسساتي. قد نلفى كل ما هو مرتبط بالتدبير المباشر
لمصالح المواطنين والمواطنات، وهو بالطبع ما هو مرتبط بالجماعات الترابية في
بلادنا. لن يفوتنا، فوق ذلك، التأكيد على التذكير أن النقلة النوعية التي شهدتها
اللامركزية والقوانين التنظيمية الجديدة من خلال مداخل نراها تؤثر على الجهوية
كأساس من أسس التدبير الديموقراطي للمجال، وفتح المجال للمواطنين والمواطنات، بأن
يساهموا في تدبير شؤونهم بأنفسهم إلى جانب المنتخبين، والفاعلين المؤسساتيين، على
المستوى المحلي، وضمن هذا التحول المؤسساتي ذو الصلة باللامركزية في المغرب، لزم
طرح السؤال: ما موقع الأمازيغية، أو بالتحديد، ما موقع التعدد اللغوي والثقافي
كآلية من آليات التعزيز الديموقراطي ببلادنا؟ إذ لا يمكن أن نقتصر، فقط، على الآليات
المؤسساتية والقانونية على المستوى الوطني. إن المجال الترابي، وضمنه المجال
المحلي، من بين الأسس التي ينبني عليها جوهر الانتقال الديموقراطي البارز من خلال
دمقرطة ولوج السكان إلى صنع القرار ودمقرطة مشاركة المواطنين والمواطنات.
وبالتالي، يتحصل مشاركتهم عبر ثقافتهم ولغاتهم، وأنشطتهم الثقافية وموروثهم
الحضاري، وتواجدهم التاريخي، وتستقيم عليها كل المرتكزات التي تتأسس عليها الشخصية
المغربية. وإن كل، ما ذكر، يشكل مجال نقاشنا مع الأساتذة. وسنحاول أن نؤطر هذا
النقاش من خلال مجموعة من الأسئلة سندرجها على السادة الأساتذة: السيد عماد بولكيد
عضو الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، وفاعل حقوقي، قدم من مدينة أكادير، ونشكره
كثيرا على حضوره وتحمله عناء السفر، والأستاذ لحسن أيت الفقيه الذي تعرفتم عليه
[سلف تكريمه في الحصة الأولى] نحييه من جديد، ونجدد له التحية على حضوره معنا.
والأستاذ عبد الله بادو رئييس الشيكة الأمازيغية من أجل المواطنة، وإنه سيقربنا من
مجموعة من المداخل.
تحقيق هذا التدبير السلس والممكن للتعدد اللغوي
والثقافي بالجماعة الترابية، منة مداخل نخالها أساسية، ولتلك المداخل ارتباط بطابع
تفعيل الطابع الرسيمي للغة والثقافة الأمازيغية، ولها ارتباط بما ورد في الدستور
وبالمجالات ذات الأولوية وذات ارتباط كذلك بمستويات متعددة. فهناك المجال الحقوقي،
الذي يقوم على فكرة المساواة، والمناصفة بين اللغتين والثقافتين: العربية
والأمازيغية كمكونين من مكونات الهوية الوطنية، فضلا عن المكونات الأخرى، ذات صلة
بالتنوع والتعدد في بلادنا، من ذلك مثلا وليس حصرا فكرة المساواة والمناصفة كمدخل
حقوقي للبناء لعلاقتها يشأن تدبير التعدد اللغوي والتنوع الثقافي، في المجال
الوطني والمجال الترابي. وهناك المدخل القانوني الذي ينطلق من ضرورة إخراج القانونين
التنظيميين الواردين في الفصل الثاني من الدستور إلى الوجود، والتحديات التي تواكب
إخراج هذين القانونين اللذين قد نتطرق إليهما في العقبى. وهناك أيضا المدخل
المؤسساتي والذي يقضي مجموعة من التدابير داخل القطاعات العمومية وداخل الجماعات
الترابية والذي يجب أن نقوم به، كمداخل ذات أولوية في هذا الباب، من أجل بناء
مقاربةٍ سلسة تنبني على التراكم، مقاربةٍ إيجابية تبني القطيعة مع الإقصاء
والتهميش. وكلها تحديات على المستوى المؤسساتي. وهناك مدخل ينطلق من تعزيز دور
اللغة والثقافة الأمازيغية، والاشتغال عليها لكي تقوم بوظائفها من حيث تطوير
اللغة، وتوحيدها. وهناك تحديات أخرى تدخل من هذا الباب. وفضلا عما سلف ذكره من
مداخل أجدني أمام سؤال حول أدوار الفاعلين: البرلمان والحكومة، والمجتمع المدني والأحزاب
السياسية، وهو سؤال تتفرع عنه أسئلة سنحاول من خلال مداخلات الأساتذة أن نقترب منها
بصيغة من الصيغ، بطريقة تكاملية وتفاعلية، والغرض ليس القيام بمداخلات كلاسيكية،
وإنما – وجب- التجاوب مع هذه المداخل.
فهناك المدخل الحقوقي وفكرة المساواة. والسؤال موجه، في البدء، إلى السيد عبد الله
بادو: كيف يمكن اليوم أن نقرأ واقع هذه المساواة وهذه المناصفة، في بلادنا، من
زاوية تدبير التعدد اللغوي والثقافي؟».
-
الأستاذ عبد الله بادو: بدأ باللغة الأمازيغية، وحب أن يشكر الأستاذ يوسف
لعرج الذي مهد للموضوع وأنشأ أرضيته « على مستوى التأطير والسياق. ولم تكن الأسئلة
السالف ذكرها مطروحة على الفاعل الأمازيغي وحده. وإذا ظننا ذلك فكأننا نعتقد
جازمين أن شأن النهوض باللغة الأمازيغية والثقافة والتعدد اللغوي والثقافي مسؤولية
الفاعلين المدنيين الأمازيغيين وحدهم. فالتجارب تؤكد أن التعاطي مع الإشكاليات
المرتبطة بالثقافة واللغة، من بين الإشكاليات التي عانت من التهميش على المستوى
الحقوقي، وعلى المستوى السياسي، وعلى مستوى تدبير السياسات الثقافية على المستوى
العالمي. إن المتتبع لمنظومة حقوق الإنسان، سيلاحظ، بجلاء، أن الإشكالات الثقافية
المطروحة تؤجل دواما. تؤجل إما لأنها تثير حساسيات، من قبيل تجنب السقوط في ما هو
عرقي وإثني، أو تؤجل ابتغاء البحث عن المشترك وتغييب غير المشترك، أو تؤجل لشأن يشكل
صعوبات على مستوى الفهم. ذلك أن شعار الوحدة بات مؤطرا، للدينامية السياسية على
المستوى العالي. ورغم بعض الإشارات التي حواها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واستغرقتها
بعض المواثيق السابقة له، إلا أنها لم تتجاوز مستوى التصريح بشيء اسمه حق ثقافي،
أو حق في المشاركة الثقافية، وسيتطور مضامين المواثيق بشكل كبير في العهد الدولي
الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ذلك أن هناك هيمنة الحقوق
الاقتصادية والاجتماعية على حساب الحقوق الثقافية. وإنه منذ 1966 يوم صدر العهد
الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ظل السؤال الثقافي مؤجلا،
أو ظل مغيبا على مستوى النقاشات على المستوى العالمي، وقس على ذلك تأثيراته على كل
النقاشات التي تدور في الفضاءات الوطنية والسياقات. لكن هذا التهميش الذي نبه إليه
مجموعة من الفعاليات المهتمة بالحقوق الثقافية يدفع نوعا ما لأن تخول هذه الصلاحية
صلاحية تعميق النقاشات الثقافية إلى منظمة اليونيسكو، بما هي مؤسسة تعنى بالثقافة
والتعليم في إطار منظمة الأمم المتحدة، والتي طورت مجموعة من الاتفاقيات
والإعلانات، في هذا الإطار، كالإعلان العالمي الخاص بالتعدد والتنوع الثقافي، وقل
ما نصادف من يتحدث عنه، وإعلان برشلونة وكلها في هذا السياق، ولكن كان لها دواما دور
هامشي. وعلى مستوى المغرب سادت إشكالات انخراط الدولة – وحتى على مستوى التدافع
الذي بات يثير النقاش فيما بعد الاستقلال- فكان النقاش مؤطرا بالمغربة والتعريب
والوحدة، إن داخل مؤسسات الدولة، أو لدى الفاعلين السياسيين خاصة في الحركة
الوطنية، إذ كان ينظر إلى كل ما هو لغوي أو ثقافي، أنه سيكون مثار جدل ونقاش ويمكن
أن يكون مشوشا، للتأسيس، على الدولة المغربية...إلخ. وفي نفس الوقت، مابرح يغلف
نوعا من الإقصاء والتمييز الذي مارسته النخبة، ومارسته مؤسسة الدولة، في اتجاه
المكون الثقافي الأمازيغي، ليس، فقط، بالإشكالات المرتبطة بالوحدة، حفاظا على
اللحمة الوطنية، ولكنه مرتبط بطبيعة العلاقة التي كانت تربط المخزن كمؤسسة بأمازيغ
كمؤسسات خارج إطار المخزن، أو ما كان يسمى بالسيبا. ذلك هو الإطار العام الذي كان
يؤطر طبيعة علاقة الدولة بباقي المجالات، حتى على مستوى ما نلاحظه اليوم، على
مستوى الإشكالات التي تطرح على مجموعة من المجالات الترابية في المغرب، التي لم
يجر إنصافها، على مستوى الاستثمارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي باتت
مهمشة، ولقد ظلت، إلى حدود الفترة الاستعمارية، قائمة تدبر وتسير وفق مؤسسات
اجتماعية وثقافية ومنظومة قيم مختلفة، ولن تكون تحت سيطرة هيمنة الدولة المخزنية،
أو المخزن كمؤسسة. إن هذه العلاقة المتوترة بين المخزن، بما هو مؤسسة قائمة الذات،
لها مقوماتها، وتستمد شرعيتها من مجموعة من المصادر: الدين، ولما أتحدث عن الدين
أتحدث عنه بما هو ممارسة، بما هو منظومة قيم، وثقافات، وتوجه. وجرى تأطير كل فترة
ما بعد الاستقلال، بدءا،.....وهذا سيتضح بشكل جلي حتى في الكتابات الأنثربولوجية والكتابات
السوسيولوجية، لدى كل النخبة التي واكبت بروز دولة ما بعد الاستقلال، انها كانت
مؤطرة بالخطاب الوطني... باعتبار ظهير 1930 الذي يسمى الظهير البربري لم يأت بجديد
في أساسه، لأن الثابت أنه نظم مأسسة العرف الذي يجري تدبيره في النزاعات والمؤسسات
الاجتماعية، في المجالات الترابية غير الخاضعة للدولة بما يحصل تدبيره. ذلك أن
هناك مؤسسات قائمة الذات في التدبير، تدبير المجال، وضمنه تدبير الثروات الطبيعية،
وتدبير المؤسسات الاجتماعية والثقافية...إلخ. إن الفترة الاستعمارية – بناء على
الدراسات الأنثربولوجية ويمكن العودة إليها مع بعض الدارسين- أثبتت بأن الأمازيغ
يشكلون هم وأعرافهم منظومة قيم قائمة الذات تدبر شؤونهم مؤسسات عرفية، وتختلف
القيم باختلاف المجالات، وسنعود إلى ذلك، حتى في طريقة التعاطي مع الجماعات
الترابية، بما هي آتية ليس، فقط، لمأسسة المؤسسات السابقة بقدر ما هي آتية كمؤسسات
منافسة. ذلك أن اللجوء إلى خلق جماعات محلية، وجماعات ترابية باختلاف مستوياتها
أتى ليزاحم المؤسسات الأصلية التي كانت تدبر المجال، لا على مستوى التراب، ولا على
مستوى الثقافة، حتى على مستوى تدبير المؤسسة الدينية. إن كل المؤسسات الدينية التي
تزخر بها المجالات الترابية الأمازيغية، هي مؤسسات تحت إمرة القبيلة، أو الدوار.
مؤسسات تمول وتكسي وتغذي، وتؤوي الطلاب [يقصد الأستاذ عبد الله بادو، هنا، مؤسسة
الزاوية]. لا يمكن، إذن، الحديث عن الجماعات الترابية بدون ربطها بتصور تعاطي
الفاعل المؤسساتي الذي هو المخزن، مع المجال الترابي. لا بد من إعادة الاعتبار
للمؤسسات القائمة الذات، من قبل، والتي حصل تدميرها من بعد. أين المؤسسات القائمة، إلى حدود 1930، وما دورها
على مستوى تدبير الماء، وتدبير الأرض السلالية؟ طرح هذا السؤال لأنه يمكن أن
نتصور، اليوم، بأن الجماعة الترابية باعتبارها مؤسسة لتدبير المجال، وفق تصور
مركزي، أتى من فراغ، إنه آتٍ بهدف أن يغير بنية المؤسسات، وسنلاحظ ذلك على مستوى
التقطيع. فلا يمكن أن يأخذ بعين الاعتبار المكون اللغوي والثقافي في هذا التقطيع،
إذ يحصل دمج المجالات غير منسجمة ثقافيا، ولغويا وقيميا بخلق – ما نسميه- مناطق
توتر، لا تسمح ببناء تصور مشترك فيما يخص تنمية المجال وهذا هو أساس المقاربة.... ».
-
الأستاذ يوسف لعرج: «وارتباطا مع قيل أوجه السؤال إلى الأستاذ لحسن أيت
الفقيه. واليوم، ما هي أهمية المدخل الثقافي والمعطى الثقافي في الحديث عن التنمية
المجالية للتراب وإعادة الاعتبار للتعدد والتنوع في شكله اللغوي كآلية من آليات
هذا التطور، وتحقيق التنمية المجالية؟».
-
لحسن ايت الفقيه:«إذا سمحت، فإن ما بسطه الأستاذ عبد الله بادو مهم للغاية،
وإني أفضل أن أعمق فيه النقاش قليلا. لقد أفضى عن إشكاليات مهمة للغاية، وكلنا لا
يسترسل الحديث إلا حينما تبرز الأسس والمداخل وتتضح.
لقد وقف عند ظهير 16 مايو من العام 1904 المنظم للمحاكم العرفية، وهو
الظهير المعروف، بالباطل، إلى حدود الأمس القريب ب«الظهير البربري». فالظهير الذي
تجوز تسميته ظهير المحاكم العرفية، لا يخص القبائل الناطقة الأمازيغية فقط، بل يخص
بالضبط «المخالفات التي يرتكبها المغربيون في القبائل ذات العوائد البربرية والتي
ينظر فيها القواد» في باقي نواحي المغرب والتي «يقع زجرها هناك من طرف رؤساء
القبائل.. » «انظر الفصل الأول من الظهير المذكور». والمقصود بالقبائل ذات العوائد
الأمازيغية تلك التي حافظت على العرف الأمازيغي، ولو تخلت لسبب من الأسباب عن
اللسان الأمازيغي. ومعنى ذلك، أن الظهير يهم، على سبيل القياس، بني يازغة
الأمازيغية الأصل، والتسول وثلة من جبالة وقبائل الصحراء المغربية، تلك القبائل
التي لا شك في أصلها الثقافي الأمازيغي، إلا أنها باتت تتحدث اللهجة الدارجة. وكل
من ينصب المفعول به ويرفع الفاعل في اللسان الدارج فهو أمازيغي. ولو كان المغاربة
سكان الحواضر التقليدية المنخرطون في الحركة الوطنية يعلمون ما سيحمله الغيب في
طياته، لما صنعوا من الظهير المنظم للقضاء العرفي قضية أسطورية كبرى في تاريخ
المغرب. وأخيرا، لو كان الأمازيغ يحملون قليلا من الثقافة العالمة تمكنهم من
اكتساب وعي سياسي في وقت مبكر، لما أزعج بعضهم الظهير المذكور، لأنه ينظم العمل
بالعرف بمعزل عن العنصر واللغة والدين. ويجب الاستدراك بالقول، إن الحرف (لو)، حرف
امتناع للوجود، لا يجد محلا في التاريخ الذي يدرس الأحداث كما وقعت لا كما ينبغي
لها أن تكون. وبالتالي، وجبت إعادة قراءة الظهير المذكور بما هو أول نص قانوني
مكتوب ينظر إلى العرف الشفاهي وما أحوجنا إلى إعادة النظر في الشفاهية الأمازيغية،
ولو بجمعها في أحسن الأحوال. ومن جانب آخر، ينبغي النظر إلى المغرب بمنظور التعدد
الثقافي والإثنوغرافي في وطن موحد، متجانس جغرافيا. فالظهير لم يتأسس على اللغة بل
على العرف والعادات الأمازيغية. وبالفعل هناك قبائل، وإن كانت تتحدث الدارجة
المغربية، وهي خليط من الأمازيغية والعربية، لا تزال تحافظ على الثقافة الأمازيغية،
كما سلفت إليه الإشارة. فإذا كان اللسان لم يؤخذ بالحسبان، فإن التعدد الثقافي
والتنوع يفرض نفسه في الميدان. ولقد ارتكبت أخطاء كثيرة في التعاطي مع الوحدة
المغربية خلال فترة الحماية الفرنسية وبداية الاستقلال. صحيح أن شعار الوحدة
الترابية صامد إن استحضرنا مشكل تسطير الحدود مع الجارة الجزائر في الجنوب الشرقي
المغربي الذي ظل عالقا إلى اليوم، وفي مشكل الصحراء المغربية الذي ينتظر الحل.
وصحيح أن شعار الوحدة الترابية يغنينا عن النظر في الأصل، وفي مواطن الفصل بين
الثقافات والإثنيات. لكن الوحدة الترابية في حاجة إلى دعم بوحدة ثانية وحدة
النظم القبلية في إطار الكونفدراليات التي
زر بها الجنوب المغربي. وكانت بداية ارتكاب الخطأ في التعاطي مع قضية الوحدة
المغربية مع ظهور التأويلات الأولى للظهير المذكور، الذي لم يطلع عليه كل
المحتجين، حيث يروج أن الأستاذ عبد اللطيف الصبيحي، الذي كان يعمل في إدارة الشؤون
الإدارية والسياسية بالإقامة العامة هو الذي اطلع عليه، وجند النخبة العالمة بسلا
لقراءة اللطيف، لما صعد الفقيه علي عواد المنبر ليخطب بين الناس يوم الجمعة، فعم
الاحتجاج في مدن المغرب التاريخية، وشاعت قراءة اللطيف. وبموازاة ذلك، لم يعلم
سكان المدن شيئا عن الأوساط العرفية، ولا ننكر أن الظهير المذكور قائم على بعض
البحوث الفرنسية والدراسات. وعلى سبيل المثال، دون الدارس الجزائري نيهليل أعراف معظم قبائل أيت يزدگ بالجنوب الشرقي
المغربي ولسبيلمان دراسة قيمة حول قبائل أيت عطا. وباختصار، فالاحتجاج على الظهير
المذكور مبالغ فيه، إن لم يصح القول، إنه استغل الفهم الخاطئ لنصه
أسوأ الاستغلال، وكانت أولى الاحتجاجات بقراءة اللطيف بمساجد الحواضر المغربية. وقد
صيغ اللطيف، الذي جرت قراءته في المساجد احتجاجا على صدور الظهير المذكور، على شكل
بيت شعري بيانه «اللهم يا لطيف نسألك اللطف فيما جرت به المقادير- فلا تفرق بيننا
وبين إخواننا البرابر». فالشطر الأول من البيت الشعري ذو حمولة دينية إسلامية يتلى
في أوقات الكوارث والمصائب، والشطر الثاني يبين المقصود من قراءة اللطيف لغة ومعنى.
فالكلمة «بيننا»، في الشطر الثاني، تعني «نحن»، أي: العرب/المسلمون والكلمة
«البرابر» تعني الأمازيغ المسلمين. ويستنتج من شعار اللطيف، أن هناك طائفتين،
العرب والأمازيغ، والأخوة بينهما قائمة على الإسلام. وكأن ظهير 16 ماي المذكور يمس بالواضح الدين الإسلامي، ومؤسس على أساس لغوي
إثني. ولا غرو، فإحداث المحاكم العرفية يعني العمل بالعرف في مواضعه في كل الأحوال
الشخصية، والعمل بالشريعة الإسلامية في مواضعها في الأحوال الشخصية دائما. ولا
يزال العرف معمولا به إلى يومنا هذا، ولا أحد من الفقهاء تجرأ على تحريم العمل به.
ولا يعنينا هنا الحديث عن طبيعة المجتمع المغربي العرفية، بقدر ما يعنينا أن
الحركة الوطنية تأسست على الحدث، الذي صنعته من الظهير المذكور، فأعلنت التفرقة
بشكل ضمني، ولم تقترح، للأسف، مشروعا وحدويا يقوم على الدين أو اللغة. وبعبارة
أخرى، ما الذي يوحد المغاربة إذن؟. وكيفما كان الجواب فقراءة اللطيف إعلان غير
مباشر للتفرقة في وقت مبكر من تاريخ المغرب الحديث. ولقد نجح الوطنيون الجزائريون
في تجاوز أي خلاف يمكن أن يعرقل وحدة الصف الجزائري القائمة على التحرير، لذلك
تأسست جبهة التحرير الوطني لغاية واحدة ووحيدة تحرير الجزائر من الاستعمار. ولقد
فشل المغاربة في عهد الاستقلال في معالجة المشكل الذي فجرته الحركة الوطنية، ولو
بممارسة سياسة الاستيعاب إلى حدود سنة 1994. ونسجل أن تاريخ المغرب خال من أي خلاف
لغوي، ومن أي مشكل في الخلافة أو الوحدة. فالأمازيغ هم الذين رحبوا بمجيء القبائل
العربية في العصرين الموحدي والمريني، وهم الذين دافعوا عن إرساء المذهب المالكي
لاعترافه بأصل التعود واحدا من أصوله الستة عشر. وفي جميع الأحوال فالمخزن المغربي
لا يؤسس تعامله بالمرة على أساس إثنوغرافي بل على أساس وظيفي محض، يتأثر بطبيعة
السلطة المركزية.
ماذا حصل يوم صدور ما يسمى بالباطل الظهير البربري؟
احتفلت فرنسا بذكرى مرور قرن على استعمار
الجزائر ونصف قرن على استعمار تونس. فالظهير المذكور ينصف الأمازيغ في التعدد
الثقافي، لذلك وجب اعتماده والانطلاق منه، لأنه أسس للمرحلة التي نعيشها، الآن. ولكن
يجب الإفصاح أن فرنسا كانت وقتها تستعد لدمج شمال أفريقيا بأوروبا. نعم لقد صاحب
صدور ظهير 16 من شهر مايو من العام 1930، حول تنظيم المحاكم العرفية، بروز مشكل
الأصول والجذور في المغرب ونشأ إشكال توحيد الجذر العرقي يطرح نفسه. ذلك أن
فرنسا بما هي مستعمرة [بكسر الميم] شمال
أفريقيا، وبما هي مكرهة تحت ضغط الحاجة إلى عمل الذاكرة، ودت الاحتفال، وقتها،
بذكرى مرور قرن على استعمار الجزائر، ونصف قرن على استعمار تونس، الاحتفال الذي
يخفي وازع إدماج شمال أفريقيا بفرنسا. صاحب المناسبة بروز السؤال الإيديولوجي
الخطير: ما أصل سكان شمال أفريقيا؟ وكان الجواب، بمبررات أركيولوجية وإثنوغرافية،
يفيد أن أصلهم أوروبا. ذلك أن هناك أدوات حجرية تعود إلى العصر التاريخي القديم
صنعت من حجر الأوبسيديان وهو حجر بركاني غير موجود في شمال أفرقيا. وحصل قبل
انفصال شمال أفريقيا عن أوروبا أن كان البشر يمر هناك.
وسيرا على نهج فرنسا سنة 1930 سار رواد الحركة الوطنية المغربية على نفس
الدرب، فنشأ البحث عن الأصل العربي لسكان شمال أفريقيا يبحث عن متكأ، فغزا البرامج
الدراسية، فكان «سكان المغرب الأولون» سمة أول درس في التاريخ، بالمستوى الخامس
ابتدائي طيلة السبعينات من القرن الماضي يفيد أن «سكان المغرب الأولون هم البربر
الذين قدموا من اليمن عن طريق الحبشة ومصر....»، إلى غير ذلك من الأقاويل، التي
تحاول حل إشكال الجذور عن طريق توحيد الأصل. ولا غرو، فوثيقة 11 يناير ذات صلة
بالبعد المشرقي. إننا لا نؤسس على المحلي، وكلنا يبحث عن الأصل. ومادام الأمر كذلك
لماذا لا نجرؤ فنستقل عن أوروبا وعن المشرق.
وفوق ذلك تأثر المغرب بالسياسة الاستيعابية. ولقد طفقت السياسة الاستيعابية
تجري قبيل النصف الثاني من القرن الماضي، شأوها طمس ثقافات الأقليات واللغات، وضرب
الحقوق الجماعية، وتدمير البنيات الصامدة للجماعات
ذات ثقافة مغايرة. وتعود السياسة الاستيعابية تكريسها إلى اتفاقية 107 لمنظمة
العمل الدولية لسنة 1957. وكان للسياسة الاستيعابية وقعها، الذي يعد شاهدا على
فهمها، قبل سنة 1957، ذلك أنه لما أقدم المكلفون بصياغة المادة 27 من الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان، جادل بعضهم البعض وسخن المراء بينهم، فكان أن استقر الرأي على جعل
الصيغة صيغة المفرد الغائب، بدل التعبير بصيغة الجمع، ونفس الشيء حصل في صياغة
المادة 15 من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبالجملة دامت السياسة
الاستيعابية طويلا، وكانت سنة 1989 خاتمة لإعمال السياسة الاستيعابية.
عمل المغرب بالسياسة الاستيعابية شأنه شأن معظم بلدان العالم طامعا في بناء
الدولة الأمة، فنشرت كما قال الأستاذ عبد الله بادو شعار المغربة والوحدة
والتعريب. ولتلك الغاية ألغيت الدراسات الأمازيغية وتعميمها، في بداية الاستقلال،
وأهمل تدريس العبرية، وظلت الدساتير السابقة، وإلى حدود دستور 1996 تقر أن اللغة
العربية وحدها لغة رسمية للمملكة المغربية.
نشأ الوضع يتغير دوليا ووطنيا، واستغرق التغيير
عقد التسعينات من القرن الماضي. فحدث أن ألفى المغرب صعوبة إعمال بعض الحقوق، بفعل
مثبط الخصوصيات الثقافية، فوق أن إعمال الحقوق الثقافية بات معيارا لاحترام حقوق
الإنسان، فكان الحل السير على مراجعة السياسة الاستيعابية.
إن التعدد اللغوي والثقافي بالمغرب منتظم إنشاؤُه
في إفريز زماني يُمعلمه التعايش الثقافي والوئام والتواصل، ويلون بعض فقراته نقْع
التوتر والحروب والصراع. وإنه لقضية ذات طابع إشكالي لاحتوائها التناقضات
والإشكاليات، وإن كانت تبدو صيغة [بالمفهوم البنيوي الفلسفي] متجانسة، للناظر
فيها، منذ الوهلة الأولى. ذلك أن الفصل الخامس من دستور 2011، إن افترضنا أن
تنزيله سيكون على وجهه استجابة لقصد سليم وإرادة قوية، لن يكون كافيا لمعالجة
قضية، تبرز كداء عياءٍ يحتاج لدرياق أقوى. وفوق ذلك ليس هو المنطلق. ولم يكن أصل
السكان هو وحده الذي أريد أن يطرح كإشكال، علما أن الاكتشافات الأنثروبولوجيا تفيد
بأن هناك آثار للإنسان القديم بشمال أفريقيا بكهف تافوغالت، وموضع مشتى العربي
بالجزائر، وسيدي عبد الرحمان بالدار البيضاء، فقد طرح، إلى جانبه، إشكال الدولة
المغربية والحضارة المغربية: فهذه حضارة قرطاجية، وتلك فينيقية، وتلك عثمانية...
وكل يتذكر ما جرى سنة 2008 يوم إقدام المغرب على الاحتفال بذكرى مرور 1200 سنة على
تأسيس الدولة المغربية، وضمنها تأسيس مدينة فاس. وبموازاة ذلك طرح إشكال عصر
البرونز في المغرب، وإشكال الحضارة المغربية، وكلها إشكالات هادفة إلى ضرب الهوية
الأمازيغية وعبرها التعدد اللغوي والثقافي ليسهل الاستيعاب بشمال أفريقيا»
-
الأستاذ يوسف لعرج: «شكرا السيد لحسن أيت الفقيه، بالفعل فإن تأسيس فكرة
التعدد والتنوع مجال مؤسساتي في بلادنا... وإن فكرة التعدد والتنوع فكرة أساسية، جرى
التطرق لها طمعا في بناء منطلقات جديدة تعزز مسار الانخراط في الديمقراطية في
بلادنا. السيد عماد بولكيد: ما هي المداخل الأساسية لكي نعطي معنى حقيقيا لما جاء
به الدستور في مجال التنوع والتعدد الثقافي في المغرب، فيما يخص الأمازيغية؟»
-
الأستاذ عماد بولگيد: شكر السيد يوسف لعرج باللسان الأمازيغي «أتى الدستور، في الحقيقة، في
صيغة [بصيغة] إقرار التعدد اللغوي والثقافي في المغرب. لكن هذا الإقرار صيغته
غامضة، غير مفهومة، لارتباكها في الوثيقة الدستورية، مما انجر عنه بعض القلق. ورغم
ذلك، قدرناها تقديرا، وقلنا إنها خطوة خطتها الأمازيغية مقارنة لما سلف. وما كان
الارتياح إحساسنا، للآن، الارتياح المؤسس على تفاؤل مفاده تحقيق وضع تسود فيه
المساواة. فالقلق المعبر عنه لحظته، والذي صاحبته تعابير مختلف جُرست داخل الحركة
الأمازيغية، وأفضت ارتياحا محدودا نسبيا لهذه المبادرة الجديدة في الدستور، أثبت –القلق-
عقب ذلك أننا لم نسر سيرة أو سيرتين في مسار التعدد اللغوي والثقافي، وإنما ألفينا
أنفسنا نسير في مسار آخر، ظاهره التعدد (على مستوى الصدع والإعلان) وباطنه الغموض
والارتباك. وفي رأيي نلفى مجالات كثيرة تتعلق بالتعدد اللغوي والثقافي داخل
الوثيقة الدستورية تبين أسلوب الارتجال في التعاطي مع الملف، وضمن تلك المجالات
المرجفة [اسم المفعول] والمرتجلة، مجال الجماعات الترابية. فالمادة الخامسة من
الدستور حاولت في صياغتها أن تنفتح على جميع التعابير الثقافية واللهجات المتداولة
في المغرب. ولقد بدا حرص يكاد أن يقول [بواو مكسورة مضعفة] الدستور وينطقه: أنا
دستور تعددي حقيقي، لن أذرأ [بالدال المعجمة] لهجة بسيطة داخل مكان معين تموت. فمن
الواجب ضمان عيش تلك التعبيرات الثقافية واللهجات. ذلك ما يبدو في المفهوم.
وللأسف، لما أتى المشروع الذي – من الممكن- يفترض أن يستوعب ذلك التعدد، تعدد
اللهجات على المستوى المحلي، وهو القانون التنظيمي للجهات والجماعات الترابية تبين
غياب العامل الثقافي بالمرة وضمنه التعدد الثقافي. وإني أقدر تلك القوانين
التنظيمية بما هي انتكاس مقارنة مع الطموح الذي تحويه المادة الخامسة وتبرزه.
وحسبنا أن الميثاق الجماعي السابق حوى الاختصاصات الداخلية للمجالس، مؤثثا بمجالات
التنشيط الثقافي، والاهتمام الثقافي المحلي، والتراث، حواها واضحة بالنص، وفي
النص. لكن غابت، أوانه، ضمن الاختصاصات الذاتية، وحضرت ضمن الاختصاصات المشتركة.
والخطير، ضمن الاختصاصات المشتركة، ولو كنت تتوافر، على الإمكانيات، وأعتبر نفسي –
مَجَازاً- رئيس بلدية زاگورة، أريد أن أهُمّ بمظهر من المظاهر الثقافية بإقليم زاگورة، وأتوافر على
ميزانية، كما سلفت إليه الإشارة، أنتظر إلى حين التعاقد مع وزارة الثقافة ليحق لي
إنجاز ذلك النشاط. ويعني ذلك، أننا ننزع إلى مركزة الثقافة، وذاك إجراء خطير.
والمركزة نقيض التعدد. كل ذلك يترجم خيانة لروح التعدد ومخالفة له. وأما الأمازيغية
شأنها والقوانين التنظيمية، أقول في ذلك: إن الذين كتبوا الدستور أنشأوه فصلا فصلا،
وإن لهم رؤيةً وتصورا موحدا، ولا ريب أنهم تعاملوا مع الوثيقة الدستور برؤية
موحدة، وبالتالي، فقد حضر الطابع العرضاني لجميع القوانين التي ينتظر أن ينزل بها
الدستور. ومعنى ذلك، أني لما أتحدث عن الأمازيغية، لا أجدني ناظرا القانون
التنظيمي للأمازيغية، وناظرا قانون المجلس الوطني للغات والثقافات، بل إني منتظر،
إلى جانب ذلك، قانون المناصفة التنظيمي، وقانون الحق في المعلومة، وقانون المجلس
الوطني للشباب، وقانون المجلس الأعلى للتعليم، بما هي مؤسسة دستورية. وباختصار،
وجب أن تحضر الأمازيغية في كل هذه الملفات. فالمجلس الأعلى حدد رؤيته [ودار، ودار،
باللسان الدارج]، أي: عمل، وعمل، فأين الأمازيغية التي استغرقتها المادة الخامسة
من الدستور في كل هذا وذاك؟ وأين الأمازيغية ريث إعداد القوانين الترابية؟ ولقد
نبهت «أزطا» لهذا الخطر وذكرت به، من قبل، في مذكرة، وإنه، ريث النقاش في
البرلمان، لم يتفاعل الفاعل السياسي والحزبي، ولم ينفعل بالمرة مع الموضوع وما ورد
في المبادرة، لم تلف من يجرس بالدفاع على «تاهواريت» وسط هوارة في بلاد سوس. إني
لن أطيق انتظار موظف في وزارة الثقافة ليريني، كيف أدافع على «تاهواريت» في بلاد
سوس! إنه عمل غير صالح بالمرة، وغير
منطقي. قالت «أزطا» بالحرف: وجب خلق النقاش، لكن للأسف، هناك تواطؤ وراءه النخبة
بما هي مساهمة في التشريع، قد تكون النخبة نفسها مجسدة في البرلمان، وقد تكون
مجسدة في الحكومة إن كانت وراء الاقتراح، وتكون مجسدة في أناس كتب لهم أن يساهموا
في النقاش، فكان الرأي غير الوجيه أن الملف سيرجى إلى أجل مسمى، يسميه أوان صدور
القانون التنظيمي. ولما يصدر القانون التنظيمي، ونحن نبتغي إرساء
سياسة ثقافية جهوية، مثلا، نريد من سوس أن تسود فيها سياسة ثقافية جهوية، فمن
يمارسها؟ ومن يمكّنها ويرسيها؟ إني أتساءل، فقط، لأن في الشأن متدخلين كثيرين. وإن
طبيعة المجلس الوطني للغات والثقافات مركزية. وفي الدستور نص يدور حول الانسجام
الذي سيحيق بالسياسة الوطنية والثقافية. فهل هناك سياسات سائدة ليحلو الحديث عن
انسجامها؟ إنها أسئلة تطرح انطلاقا من الدستور، وكيف يمكن أن نفعلها نحن؟ فهل نطلب
مجددا مراجعة القانون التنظيمي؟ ..». أوقفه المسير الأستاذ يوسف لعرج بالشكر،
وبإضافة ما يلي: «ارتباطا بالأسئلة التي طرحتها، ألفينا نقاشا تخللته تساؤلات
كثيرة للغاية حول معالم القانونين التنظيميين، أخال مطلوبا من السيد عبد الله بادو
أن يقربنا كثيرا من ذلك النقاش، باختصار واختزال وبعجالة. وقبل ذلك، ما هي الرؤية،
اليوم، التي يمكن أن تتصل بصدور هذين القانونين لتكون في مستوى معالجة الاختلالات
المرتبطة بالقوانين التي همت تدبير إدارة الجماعات الترابية؟».
-
الأستاذ عبد الله بادو:«يجب العودة إلى المنطلق مادامت السياسة التشريعية
مدعوة مراعاة -يوم تضع الحكومة مخططها التشريعي- أن تضع الحكومة مخططا ينسجم، أو
على الأقل، يضمن الانسجام بين كل القوانين التنظيمية التي قد تصدر، فالدستور يمنح
مجموعة من المبادئ والتوجهات العامة. وأين يكمن الإشكال؟ إنه كامن في القدرة على
ترجمتها في كل القوانين بالشكل الذي يضمن عامل الإنسجام، ومبدأ الإنسجام بين
القوانين، ويضمن تعليل رسمية تلك اللغة. فإذا ربطنا الإشكال برسمية اللغة
الأمازيغية، أو على الأقل، ضمان المساواة بين اللغتين الرسميتين، ولن أتحدث على
باقي اللغات، وهي مهمة لأن الدراسات المنجزة اليوم على مستوى تملك اللغات، تفرض،
دواما، واليونيسكو تفيد ذلك، حصول التعدد الثقافي والتنوع، وحصول اكتساب المعارف
العلمية، يمر عبر اللغة الأم، واللغة الأم تقوم على محددات، ثم اللغة الوطنية،
ويأتي في العقبى الانفتاح على عدة لغات أجنبية. ولما نراجع تصور مخطط الحكومة
التشريعي نستشف منه أنه لا يقوم على التصور، ليس في الصلة بالأمازيغية، بل في
الصلة مع مجموعة من القضايا الأخرى المتصلة بتدبير ورش تفعيل الدستور. ذلك أن
الدستور أتى – ومن المفروض أن يأتي- كتعاقد، مع إدراج كلمة التعاقد بين هلالين،
لماذا؟ لأن التعاقد لا يشمل كل مكونات المجتمع المغربي: فهناك من تحفظ على الألية،
ألية وضع الدستور، وهناك من سجل تحفظه على المحتوى في حد ذاته، مادام لم يستجب لكل
التطلعات والانتظارات، وبعد ذلك يأتي أسلوب تمريره باستفتاء، ولسنا في حاجة إلى
تفصيل القول في ذلك. ويعنينا أننا، نحن، الفاعلين [منصوب على الاختصاص] المدنيين
سجلنا مجموعة من الملاحظات على الدستور، من قبل ومن بعد، ولا نزال نسجلها اليوم،
نسجل مجموعة من التحفظات والانتقادات، نسجل مجموعة من الإشكالات ذات طبيعة
استيباقية. هنالك برزت «أزطا» من بين الجمعيات المبادرة على الاشتغال على إشكال
التعدد الثقافي والتنوع، فهو ورش جديد، ظل مفتقرا إلى الكثير من التراكم، وفوق ذلك
حصل الانتقال من دولة اعتمدت منطق أحادية اللغة، طيلة ستة عقود، لتنتقل إلى ثنائية
اللغة الرسمية، وذاك أمر غير يسير. لكن الذي تيسُر ملاحظته أثناء الاطلاع على مخطط
الحكومة التفاعل الفاعل الحزبي مع الدستور، وأوراش تفعيله، في غياب هذا التصور.
ذلك أن منطق الأولويات، ومنطق ضمان عرضانية الإشكالات المطروحة، مثلا آلية إشراك
المجتمع المدني التي لم يجر تفعيله، رغم أنه من الممكن، لو حصل تصور واضح، فإن أول
حاجة ما يمكن التساهل فيه أن تنزل كل المقتضيات التي تضمن للفاعل المدني المشاركة في
الورش التشريعي. ولما لم توضع هذه القوانين التنظيمية، بعدُ، فإنه يحصل تجميد دور
الفاعل المدني، لكي لا يشارك، في هذه الأوراش، مما يعطي الحكومة، والمؤسسات الأخرى، فرصة احتكار
الورش التشريعي، وبالتالي، التحكم في مخرجاته، وذلك ما حدث اليوم. لما نتحدث عن الموضوع
الذي يهمنا الجماعات الترابية، ولقد اشتغلنا على الموضوع...ولا غرو، فمجموعة من
الإشكالات المرتبطة بالثقافة الأمازيغية إجاباتها مجالية ترابية، ولا يمكن تطوير
اللغة وحمايتها ما لم نوفر الآليات المجالية. فهناك اختلافات مجالية: [إمازيغين
أور كين يان]، أي: إن الأمازيغ غير منسجمين ومتجانسين، لذلك وجب استحضارها وتعزيزها، وفي ذلك نطور المشترك.
لكن لما نعاين غياب التصور لدى الحكومة، ولا نعتقد أنه يغيب، لأن كلنا يعرف
السياسات العمومية، وطالما يحصل تأجيل الحديث عن موضوع ما، لا لأن الوقت لم يمكّن
المسؤولين من معالجته أو إنهم لا يكتسبون تصورا ناضجا فيه، بل لأن التكتيك يقضي
تأجيل النقاش فيه، لكي لا نطوره، ولكي لا يحدث ما حدث اليوم، حيث وقع إطلاق
مبادرتين غير منسجمتين من حيث المنهجية، ولا من حيث الآفاق، ولا من حيث الأهداف،
ولا للآلية التي يمكن الإشراف عليها علاقة بالأمازيغية. نطلق مشروع إعداد القانون
التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، قبل إطلاق القانون التنظيمي
الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، ولما نعاين طريقة طرح هذا الموضوع
للنقاش العمومي نلفى أنه يعكس رغبة مفادها أن هذا النقاش لا يصح أن يجري في ظروف
صحية. وماذا تعني بالظروف الصحية؟ إنها تفيد إشراك كل المكونات الثقافية واللغوية،
لأن هذا الشأن لا يقتصر على مجموعة معينة، ولا يعنيها وحدها. وذلك ما أشرنا إليه إن
داخل دينامية يوم 17 نونبر، وإن في الائتلاف. فلم تُقترح لجنة متوازنة المكونات، مادامت
تستغرق أناسا لا علاقة لهم باللغة والثقافة، ونواجه بتصريح مفاده حصول المشاورات
منذ 2012، و2013 بدون الحديث عنها، هنالك سينهض رئيس الحكومة لفتح علبة بريد
إليكتروني، وينادي راغبا في المقترحات [اللي عندو شي باراكة، ها ليمايل]. والغريب
أن ذلك يمهد له بديباجة مفادها: في إطار المقاربة التشاركية جرى تخصيص علبة بريد
إليكترونية عنوانها [كذا] مفتوحة أمام مقترحات الفاعلين المدنيين جميعهم. وإذا كانت
الفعاليات التي جلست لجنة المنوني لم تستطع أن تبين التطلعات المرادة في الدستور
في إطار التفاعل مع اللجنة، وترجمة ذلك في الدستور، فكيف يمكن، وفق هذه الآلية، أن
تضمن المقترحات التي ستبعثها عبر البريد الإليكتروني، أنها ستؤخذ بعين الاعتبار؟ لأن
الآلية التي ستشرف على التجميع والتوليد والنقاش، وتحديد الأولويات، وتحديد
الصياغة شكلها والتصور شكله آلية غامضة، وغير واضحة أهدافها، وغير محددة أوانها،
وغاياتها، ومسارها [فين غادية بهذا الموضوع؟] باللسان الدارج. هنا أقول إنه لما
تطرح الإشكاليات في علاقتها مع القانون التنظيمي، فإني أطرحها في صلتها بباقي
القوانين التنظيمية، ضمانا للانسجام بين القوانين. وإن أي تصور لا يمكن أن يكون
متقدما، أو يضمن ضمانات أن يعكس، في أحسن الأحوال، الرغبة المتطورة لدى الفاعلين،
إلا إذا وفرنا آليات تشاركية حقيقية. ولا غرو، فالتجربة التي خضناها، فيما يخص
القانون التنظيمي... وأعتقد أنه حصل تنظيم ندوة هنا، سنة 2014، إن لم تخنني
الذاكرة، حول القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وجرى توزيع
مشروع، على المشاركين، وليس المشروع ملكا لأزطا، إنه محصول مشاورات ساهم فيه حوالي
2000، أو 3000 فاعل، عبر التراب الوطنين وألفينا أن هناك صعوبات، ولقد منح المشروع
للأحزاب، منذ أربع سنوات. ولقد باتت بعض الأحزاب تفكر، وحتى أثناء الجلسات التي
نظمناها معهم، في إطار الترافع، تعريفا بالمقترح، ألفينا غياب التصور. فالدستور
متوافر، والفاعل الحزبي، لم يقدر على شيء، وله إمكانيات أكثر من الجمعيات، ولديه
خبراء، وله نخب، وكل ذلك يعكس أن الشأن الثقافي غائب، ليس فقط لدى مؤسسات الدولة،
ولكنه غاب، أيضا، لدى الفاعل السياسي، أو حضر في الهامش»، السيد يوسف لعرج، يرفع
أمامه الورقة الحمراء معلنا الكف عن الكلام، «رغم أن الشأن الثقافي هو المدخل
الأساسي، وهناك دراسات تثبت أن التمكين في المجال الحقوقي، ولا التمكين المجالي،
ولا تطوير الثقافة الوطنية ككل ولا حتى الثقافة الإنسانية لا يمكن أن يمر إلا عبر
إعادة الاعتبار للثقافة المحلية. والثقافة تعريفها تجمع الكل: منظومة القيم،
والإنتاج الأدبي، والتنمية الموسيقية، والموروث. ولما تهيء المشروع، أي مشروع،
وتنزله في المجال، لن يلف تجاوبا. وهنا دور الدولة حاضر، فكان لزاما عليها أن تقطع
مع التصور الذي رسخته لدى المواطنين من دونية الأمازيغية، ولا في التعاطي المهمش
[اسم الفاعل] والعنصري، أحيانا، للأمازيغية كان رسخته مؤسسات التنشئة الاجتماعية،
فوجب أن تعيد النظر في المناهج والبرامج التربوية».
-
السيد يوسف لعرج «الحديث طويل في الشق المرتبط براهنية الإيجابات
واستعجاليتة القانونين اللذين يمكن أن يساعدنا على تجاوز الاختلالات التي وردت في
القوانين التنظيمية مادامت الآية معكوسة، في مجال إنشاء ترابط منطقي ومنهجي بين
تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية انطلاقا من القانونين التنظيميين وفق الفصل الخامس
من الدستور، وما يترتب عليهما من آثار، في علاقة مع مجموعة من القوانين التنظيمية
الأخرى. سأنتقل إلى الأستاذ لحسن أيت الفقيه: في علاقة مع طبيعة هذه الإيجابات
المجالية التي ننتظرها من وظيفة الثقافة الأمازيغية وثقافتها. ذلك أنه في أوان
الاحتفاء بكم، قبل هذه الحصة، أبرزتم جانبا مهما مفاده أن الأمازيغية انتقلت من
وظيفة تاريخية بما هي لغة الأم، وبما هي لغة الوظيفة، ولغة الواقع، ولغة الحياة
اليومية إلى وظيفة جديدة، هي وظيفة اللغة الرسمية. فكيف يمكن من خلال هذه الوظائف:
اللغة الأم، اللغة الوطنية، لغة الواقع، لغة الحياة اليومية، إلى وظيفه اللغة
الجديدة اللغة الرسمية. كيف يمكن أن نقدم إيجابات محلية لتدبير الحياة الثقافية
اليومية في شقها الاقتصادي والاجتماعي وتدبير الماء وتدبير التراب...إلخ».
-
لحسن ايت الفقيه: «لقد سبق للأستاذ عماد بولگيد أن آثار مسألة مهمة.
أن الأمازيغية لا يجب أن تختزل في قانون الطابع الرسمي وكأن القوانين الأخرى لا تعنيها.
من ذلك مثلا مشروع إصلاح القانون الجنائي، أو المسطرة الجنائية، إذ الأمازيغ
يحاكمون كمجرمين، لا لشيء، سوى أنهم يمارسون تقاليدهم الشفاهية، ولقد تجاهل
المشروع إشكال الخصوصيات الثقافية المحلية. وكلنا يسمع عن قبيلة أيت حمو غرب إقليم
فجيج، حالهم أنهم ظلوا يحملون الخناجر كدأب أجدادهم في عهود ما قبل الدولة
الحديثة، والخنجر جزء من زي الرجال، ولا شك أنكم عاينتم، في وقفة شاي يومه السبت
23 من شهر يناير من العام 2016، رقصة فرقة (أفلا ن درا) بإقليم زاگورة، كيف يحملون الخناجر
لممارسة الرقصة الحربية، فالذي حدث أن ايت حمو يسمح لهم بحمل الخناجر في مجالهم
الوظيفي ويسمح لهم بالتحرك بها في مدينة ميدلت ومدينة الرشيدية، ويمكن أن يؤاخذوا
على الفعل، إن هم تجولوا حاملين الخناجر خارج هذه الحدود، وأن السماح لهم بحمل
الخنجر جرى شفويا منذ سنوات الرصاص، أصدرته السلطات الإقليمية وفق مقاربة أمنية.
وكل ذلك يندرج ضمن ما يسمى بالأمن الثقافي. إذ كيف يحق لي أن أمارس تقاليدي
الشفاهية طالما أني ورثها من أجدادي. وأخبركم عن تحاكم المرأة، أو الرجل، أخدهما
أو كلاهما، إذ ظلا يتهمان في أوساط يسمح للمرأة فيها بالانتقال من زوج إلى آخر،
كما حصل بمدينة ميدلت مرة سنة 1995، وإن المشاهد من نوعها لا تزال قائمة في
الأوساط الشفاهية، حيث يجري الزواج شفاهيا، سآتي إلى صلب السؤال بعد التمهيد
بالأمن الثقافي، فالقوانين التي تنشأ في الرباط تجهل الخصوصيات الثقافية للقبائل،
وطالما تعرقل حرياتها، فمن ذلك تجريم الممارسة الجنسية في بعض الأماكن، إذ لا يوجد
مصطلح الدعارة في الأمازيغية، وأن الجنس يفيد بالأمازيغية التقطير، أي: التخصيب وليس زنا
بمفهومها الديني Adultère، فالدعارة كلمة دخيلة على الثقافة الأمازيغية.
وحسبنا أن جل المفاهيم الدخيلة طالما تتحول إلى جنح بما هي ممارسات ممقوتة وفق
مرجعيات دخيلة [قدمت أمثلة في ذلك]، وإن محاكمة التقاليد الشفاهية معناه محاكمة
الهوية الثقافية الأمازيغية. صحيح أننا خطونا خطوة في الكتابة الأمازيغية، نكتب
بها اللافتات ونتحدث بها بدون اضطهاد، وكنا من قبل نضطهد، ونحن نتحدث بالأمازيغية،
ونحاول أن نخفي لُكْنة أمازيغية، لكن مازال مشكل التقاليد الشفاهية مطروحا في
الحال. وعلى مستوى الأعراف، وإن كانت فرنسا احترمتها وأحيتها وعملت بها، لا تزال
تضرب من لدن رجل السلطة وأهل الرأي. ومن الأعراف المعتمدة كثير اعتماد مقسمات
الماء Points
versants حدودا بين المجالات الترابية، فمثلا مقسم الماء (أفلا
ن درا) حد فاصل بين إقليمي ورزازات وزاگورة، ونفس
المقسم يفصل بين بومالن دادس وإيميضر بإقليم تنغير، وقبل ذلك كان نهر ملوشة
(ملوية) حدا فاصلا بين مملكة بوكوس ويوغرطة، وفق ما تتضمنه المصادر الكلاسيكية
اللاتينية والإغريقية. فهناك محددات مجالية أمازيغية على مستوى مقسمات الماء
ومقاييس نباتية، ولقد قامت فرنسا بمجهود في هذا المجال، والمحددات الصخرية. ففي
إقليم زاگورة نلفى الفجاج حدودا بين وحدات مجالية متجانسة، ولماذا
لم نرسخ هذه المحددات في القوانين؟ وهناك معايير سويوثقافية لكنها غير محترمة إذ
نجد قبيلة أيت حديدو مجذذة بين إقليمي تنغير وميدلت، ولأني غير مستعد للمشاركة في
هذه الندوة لكي أستحضر بعض الاستشهادات الدقيقة حول التقطيع الإداري، لكن لا بد من
توسيع المقال في المآل، يوم تحرير التقرير.
تعاني قبيلة أيت سخمان –مثلا- بجبال الأطلس الكبير
الأوسط وسفوح الأطلس المتوسط من التهميش، وإذا كانت إحدى بطونها أيت حمامة قد نظمت
مسيرة احتجاجية يوم الخميس 30 دجنبر2010 ، في اتجاه مدينة خنيفرة، طلبا في تعديل
التقطيع الإداري يستجيب لحاجاتهم بالالتحاق بإقليم خنيفرة، لأن السلطات المعنية بإقليم
بني ملال تتجاهل مطالبهم في رفع التهميش
رغم الثروات الطبيعية التي تزخر بها المنطقة، وعملت أيضا على اعتماد مركز تيزي
نيسلي مقر للدائرة الإدارية، وإذا كانت أيت عبدي من سكان تيزي نيسلسي نظموا مسيرة
احتجاجية، يوم ثالث يناير2010، ضد استجابة عمالة إقليم بني ملال لمطالب أيت احمامة
أو بالأحرى، احتجاجا على اعتماد مركز أغبالة مقرا الدائرة، فإن وضع إخوانهم، أيت
داود وعلي بإقليم أزيلال، وأيت عبدي وعلي بإقليم ميدلت، في حاجة
إلى التفاتة. ولئن كانت العزلة هي العنوان
العريض لهذه القبائل فإن التقطيع الإداري لا يراعي في الغالب، وضعهم
السوسيوإقتصادي بما هم رعاة، يتعاملون مع المجال من حيث وظيفته كمرعى أو كمحطب،
وهي وظيفة مشتركة، أو بما هي أرضهم مصدر غني لثروة غابوية، وسنقتصر على تقديم
نموذج من الصراع حول المجال الوظيفي، في الحدود بين إقليمي ميدلت وأزيلال، علما أن
احتجاج سكان تيزي نيسلي وأغبالة تناولته الصحف بغزارة. ولم يراع التقطيع الإداري
لسنة 1992 حقوق بعض القبائل والعشائر في استغلال المراعي الصيفية (إوودال
بالأمازيغية) بالأطلس الكبير الأوسط. ذلك أن التقطيع الإداري المذكور وسع المجال
الترابي لجماعة إملشيل القروية نحو الجنوب الغربي، نزولا عند رغبة عشائر أيت عبدي
وعلي، وغيرها من العشائر المحيطة بجبل كوسر وزيموزن، في الالتحاق بجماعة إملشيل.
وتأسست رغبة هؤلاء، في الواقع، على سهولة العبور نحو سوق إملشيل. ذلك أن المسالك
المؤدية نحو أسواق إقليم أزيلال القريبة منحدرة، بشكل يصعب على البغال نقل الأحمال
من نقط التسويق إلى مواطن هذه العشائر. ولما كان التردد على سوق إملشيل هو الحل
الأمثل لمشكل التموين لدى تلك العشائر استقر رأي شيوخ تلك العشائر وأعضاء الجماعات
السلالية، على طلب نقل الخدمات كلها إلى ذات المركز، وأصبحت جماعة إملشيل والسلطات
المحلية بها والمؤسسات الاجتماعية مفتوحة لاستقبال قبيلة أيت عبدي وعلي. وابتداء
من سنة 1993 وإلى يومه ظلت تلك العشائر تستفيد من الدقيق المدعم والشعير، وتنقل
البضائع بأقل تكلفة من مركز إملشيل إلى النقط العمرانية التالية، أولغازي،
توصفصدي، تيميشا، تايدرت، تمزاغرت، إغالن، إمغال، أورزي. ومن الممكن أيضا نقل
المرضى إلى عين المركز، وإن كان ذلك يتطلب مسيرة تسع ساعات على ظهور البغال، أو
إحدى عشرة ساعة سيرا على الأقدام. إن الوضع من هذا المنظور سوي للغاية. فلا أحد
يناقش أن المعبر نحو إملشيل هو أحسن المنافذ لا لأنه يضمن انفتاح أيت عبدي نحو
المحيط الخارجي، بل لأنه يضمن تموينهم من الشعير والسكر والشحوم والدقيق المدعم.
إن الذي لم يحضر في الحسبان أثناء الإعداد للتقطيع الإداري لسنة 1992 الأرض، بما
هي مرعى أو محطب أو تحتوي على موارد الماء، أعني اشتمالها على بعض الحقوق الجماعية
للعشائر. فالحدود في نظر السلطة الإدارية تفصل بين نطاقين ترابيين إداريين
جغرافيين في أحسن الأحوال. وتلك مقاربة خاطئة، لأن القبائل لا يعني لديها التقطيع
الإداري شيئا سوى تنظيم (الحكم) بالتعبير المحلي أي توجيه الجناة وذوي المخالفات
إلى محكمة الاستئناف بالرشيدية، أو إلى أزيلال (أي استئنافية بني ملال). ويمكن
القول، بعبارة أخرى، إن هذا النطاق يتحكم فيه أزيلال وذاك نطاق تتدخل فيه ميدلت.
وأما المنافع والمصالح فلا دخل للتحديد الإداري فيها. نخلص من هذا الكلام لبيان أن
المقاربة المجالية للسلطة الإدارية تختلف عن المقاربة القبلية الثقافية، فالمقاربة
القبلية للأرض، تزيح كل مفهوم لملكية الأرض الوظيفية، المرعى، المحطب...وبمعنى آخر
فالأرض خيراتها ومواردها تستغل على المشاع بين ذوي الحقوق ولا وجود لتقدير آخر،
ولا محل لرأي مخالف. ويفيد ذلك، من منظور آخر، أن الاختلاف في تمثل الأرض جعل معظم المراعي الجبلية
الصيفية بالأطلس الكبير الشرقي والأوسط، المحاذية للحدود بين الأقاليم مواضع نزاع
(إمغال، أكوال نكنتور..). إنها بؤر للتوتر، منها المشتعلة والخامدة. ويعد مرعى
إمغال واحدة من تلك البؤر المشتعلة ابتداء من صيف 1995. وحسب شهود عيان فإن مرعى
مشترك بين أيت داود وعلي وأيت عبدي وعلي، وهم أبناء عمومة من جانب القرابة
الدموية. وبعد التقطيع الإداري لسنة 1992 أضحى مرعى (إمغال) متواجدا بإقليم
الرشيدية، أي إقليم ميدلت في سنة 2010، وانقسم المجال الوظيفي للعشيرتين فظلت أيت
داود وعلي تقطن إقليم أزيلال، وأصبحت أيت عبدي وعلي، تقطن بحدود المرعى المذكور
بإقليم ميدلت حاليا. وهناك مثال آخر يفيد أن لقبيلة أيت عطا حقوقا في الرعي في
إقليم أزيلال لكن عمالة تنغير لم تضمن لهم ذلك بالتفاوض مع أزيلال. ونفس الشيء
ينطبق على الصراع حول المجال بين أيت داود وعلي وأيت عبدي في الحدود بين إقليمي
أزيلال وميدلت. ولا تزال السلطة تعتمد المعيار الإداري في المراعي التي يجهل
سكانها التقطيع الترابي.
ويمكن لرجل سلطة (قائد) أن يضرب نظام توزيع المياه، وهو
نظام عرفي قديم متقدم في زاگورة وسوس، ويعود إلى القرن 16 قبل الميلاد [قدمت أمثلة
في ذلك]، وهناك تقنيات الري تدعى أيت 16 لا تزال سائدة بإقليم ميدلت ولقد حاولت
السلطة المحلية جاهدة ضربها، وهي من الأنظمة القديمة التي تؤرخ لبداية اليوم
الأمازيغي قبيل غروب الشمس بقليل. وهناك تيارات ثقافية، لن أتهم حزبا معينا أو
ثقافة معينة، هدفها تخريب التراث الثقافي الأمازيغي بالمجال الممدن كما حصل
بتنجداد مؤخرا، حيث شنت حملة ضد هدم الأبراج لعلاقتها بالثقافة الأمازيغية
المحلية، ثقافة الأوثان، كما يزعمون. وإن تلك التيارات الثقافية لا تحترم الإنسان بما هو
كائن ذو أبعاد (التاريخ، الفن، الثقافة) إن المفاهيم القادمة من المركز لا تفتأ
تضرب العرف المحلي في العمق
وعن المجالية الأمازيغية نلفاها قائمة، في الغالب، على ثقافة
الدم. والأرض تطهر بالدم. ويتمحور التطهير بالدم على الصراع من أجل تحرير الأرض من
العدو القبلي أو الديني أو العرقي، حيث يحصل المنتصر على اعتراف الجميع بملكيته
للأرض، وكأن عقود الملكية -هنا- تحرر بواسطة الدم، وكل إنكار لحقوق القبيلة
المنتصرة في الأرض التي حررتها، يعني إنكار لدمها بالترجمة الحرفية للعبارة
الأمازيغية.. والأكثر من ذلك أن أيت يعزا بإملشيل لا تعترف إلا بالأرض المطهرة
بالدم، ويكفينا على سبيل المثال ذكر
العلاقة بينها وبين مزرعة أقانوانين شمال بحيرة «إزلي»
والتي انتقلت إلى القبيلة كتعويض عن جريمة قتل
رجل من أيت يعزا، ارتكبها أحد رعاة عشيرة أيت سيدي احساين المحايدة بفعل
وضعها العرقي، لذلك تشكل عازلا بشريا أمنيا بين أيت حديدو وأيت سخمان. وحيث إن مزرعة
أقانوانين غير مطهرة بواسطة الدم فقد أضحت بساطا غير صالح لدفن الموتى، وغير لائق
لممارسة الشعائر الدينية الجماعية. والأكثر من ذلك أن أقانوانين التي تعني
بالأمازيغية واد الكانون، أي: واد الاستقرار اللحظي والمؤقت بساط لجرائم القتل
المتكررة، وكأن أيت يعزة من سكان تغيغاشت طفقت تطهر هذه الأرض بالدم. نفس الشيء
ينطبق على قرية «إيمي ن تقات» التي انتقلت إلى عشيرة «أيت علي السو» من قبيلة أيت
يعزا بالشراء.
ويظهر أن تطهير الأرض بواسطة الدم ممارسة معروفة
لدى كل القبائل التي استوطنت مجالها
بالقوة وتمردت طورا على السلطة المركزية، كما هو حال أيت يزدگ بأعالي زيز، التي أنشأت
فلسفة مجالية باعتماد الطوبوغرافيا والماء، وحال البيروغواطيين بتامسنا، وقبيلة
مغراوة بالشمال الغربي المغربي، والتي صمدت كثيرا أمام الغزوات المتكررة المستهدفة
أرضها، وكما هو شأن أيت عطا بالجنوب المغربي، والتي تحدت المستعمر الفرنسي
بترسانته وجيوشه بجبل صاغرو. صحيح أن هناك قبائل فقدت جزءا من نسقها الثقافي
بتغيير زي النساء، وتعديل بعض الأعراف،
لكن علاقتها بالأرض ظلت قائمة على الطهارة بالدم أو بالنار، أو هما معا. وحسبنا أن
الأقليات العرقية لا تستفيد من أرض الجموع لأنها لم تحارب تحريرا للأرض وتظهيرا
لها. إن هذه المفاهيم وإن كانت تعيق الديموقراطية وحقوق الإنسان جدر فهمها في
علاقتها بالهوية التاريخية لتصحيحها، وبدون فهمها يتعذر القيام بفعل التصحيح،
ويتعذر إرساء الديموقراطية. إن إنجاز البحوث الميدانية يقضي الوقوف عند التمثل،
فقد تكون الماشية مقدمة على الأرض والإنسان [قدمت أمثلة في هذا الصدد حول تمثل
الأرض والماشية لدى بعض القبائل] فالمجالية تحضر لدى البعض وتغيب لدى البعض الآخر.
وفي جميع الأحوال لا بد من ضمان الأمن الثقافي ولابد من حضور الأمازيغية في جميع
السياسات وسأقف عند هذا الحد».
الأستاذ يوسف لعرج: «سلف أن تحدثت عن بعد الأمازيغية في
المجالات الاقتصادية والاجتماعية وأهمية ربطها بالمجال في المتخيل الجماعي في
التربة والحيوان...إلخ. إنها مسائل مهمة تساعدنا على فهم الإشكال المطروح ارتباطا
بالتعدد اللغوي على مستوى الجماعات الترابية، في هذا الإطار فإن الشبكة الأمازيغية
من أجل المواطنة بإشراف الأستاذ عماد بولگيد قامت بإصدار دليل في عملية إدماج
التعدد اللغوي في الجماعات الترابية وكلكم يتوافر عنه في ملفات المشاركة. المطلوب
منك السيد عماد أن تقربنا من هذا الدليل ومضامينه وغاياته، كيف يمكن تفعيل هذا
الدليل من خلال العمل مع المنتخبين ومع الجماعات الترابية».
-
السيد عماد بولگيد: «تحية مجددا السيد يوسف. الدليل
يستجيب لحاجة ملحة. فإذا لاحظت، السيد يوسف، أنه حصل ريث إعداد القانون التنظيمي، وفي الجلسات
الموضوعاتية التي نظمناها خصصت جلسة حول الجماعات الترابية وعلاقتها بالأمازيغية، ذلك
أنه حصل ريث إعداد القانون التنظيمي تأكد أن هناك حاجة في هذا المجال مفادها أننا
نقدم خدمة. وكنا قد شرعنا في إنشاء «أموال» Amawal يغطي خمس صفحات، إن كنت تتذكر [يخاطب السيد يوسف لعرج]،
وعقب ذلك تطورت الفكرة بأن نحاول تطوير العمل وإنشاء (دليل إدماج التعدد اللغوي في
الجماعات الترابية). والدليل محاولة بسيطة للغاية من إطار مدني، ولا يجب إغفال أن
الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة إطار مدني، حاولت وضع أسماء المصالح، لكي تحضر
بشكل رمزي في مصالح الإدارات من داخل الجماعات الترابية، وأنجزنا هيكلة نمطية Organigramme typique استخلصناها من الهيكلات السائدة في المغرب.
والهيكلة النمطية التي أنجزناها حاولت استيعاب الإبداعات السائدة من قبل في مجال
الهيكلات Organigrammes.
وحسبنا أن الهيكلة الحالية تجري مصادقتها من لدن الوزارة الوصية. وفي هذا الإطار حاولنا
ترجمة مجموعة من الأوراق، ومجموعة من الوثائق، إلى الأمازيغية، بما هي وثائق
مطلوبة بكثرة من لدن الموطنين، بمنطق القرب: عقد الازدياد، شهادة السكنى، رخصة
السكن وحصل في الأخير، أن أعددنا معجما لغويا بترجمتنا معجم وزارة الداخلية: (معجم
خاص بالجماعات الترابية)، وهو المدرج في أخير الدليل. والمعجم مجموعة من المصطلحات
التي تُتداول من داخل العمل الترابي التي تقوم به هذه الجماعات، والسؤال: لقد
أنجزنا هذا العمل، وترافعنا طمعا في ترسيخه... (هنا لا بد أن نتذكر شخصا وهو السيد
الحسين أزگاغ رئيس جماعة بلفاع بسوس الذي
حضر معنا اللقاء التحصيلي الجاري بالرباط حول الدليل، وحضر في لقاءات سوس وكلميم،
وهو متبنٍّ المبادرة، والآن نصادف جميع المصالح في بلفاع مترجمة وجميع يافظات
التشوير مترجمة، وقطع على نفسه أنه بإمكان تكوين الموظفين ليتمكنوا من إصدار
الوثائق بالأمازيغية، وأنه مستعد للحساب السياسي، وإنها لجرأة كبيرة وجب تقديرها)
لكن للأسف، فالوثائق يقدمها الفاعل الجماعي على المستوى المحلي، ولكنها تدبر من
لدن وزارة الداخلية. فمطبوع عقد الازدياد يصدر عن وزارة الداخلية بالنمط والحرف،
ولا مجال للاجتهاد. وللعلم، إن هناك نصا يفيد أن جميع الوثائق التي تتعلق بالخدمات
والأنظمة المعلوماتية، وجميع الوثائق، يجب أن تقرر في الرباط. فإذا أريد إبداع وثيقة معينة
تثبت وظيفة معينة فإن المجال غير مفتوح لسيادة تحكم مركزي في هذا المجال. ويظهر في
هذا السياق أن المبادرات الصادرة من لدن الجمعيات جميعها تجاه تفعيل ترسيم
الأمازيغية...فمن ذلك القانون التنظيمي الذي عقدنا عليه لقاءات سافر من أجل
الاستفادة منها المناضلون، وحصل تقديمه في البرلمان، وقدمناه لجميع القطاعات
الحكومية. وأما قانون الجماعات التنظيمي فقد أنجزت المذكرة، ونبهت للخطورة وحصلت التراجعات
مقارنة مع الدستور، وطالما ننجز أدلة وفق المستطاع أملا في التفعيل...لكن لما تغيب
الاستجابة من لدن الفاعل العمومي المسؤول من لدن الدولة المغربية...فماذا تنتظر
هذه الدولة؟ لقد سار الجميع في مسارات قانونية ومسموح سلكها سعيا وراء تدبير التعدد
اللغوي والثقافي، وطفقت المبادرات جميعها تسير في هذا المسار، وتصوب الأخطاء. لكن
أعتقد أن كل شيء انهار بعد صدور القانون
التنظيمي وأخرج المجلس الأعلى للتعليم رؤيته، وترى المهزلة الحاصلة في المقاربة
التشاركية في القوانين الأخرى، فلا أمل لدي، ويجب على الحركة الأمازيغية أن تعيد
النظر في إستراتيجيتها النضالية مع الدولة، وأن ترافع بما فيه الكفاية، وأنت تعرف
ذلك أيها الصديق يوسف لعرج لم نترك أحدا إلا وقرعنا بابه، لم ندع حزبا ولا حكومة
إلا وقرعنا أبوابها. ودون أن أطيل فإنها إشارات سياسية قوية، وإن نحن من سيبادر...
».
لحسن
ايت الفقيه
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire