اتخذ الصخر مزارا طبيعيا
مهما بجبال الأطلس الكبير الشرقي بالكثير من المواضع، ووظف في دفن الموتى تذكيرا
بثقافة المنهير. والصفواء بما هي حجر صلد ضخم ينزل من أعلى القمم الكلسية
الجوراسية التي لا تفتأ تشقق وتتصدع تحت وقع الجمد والانسياع، أو صواعق البرق، أول
المزارات الصخية وأهمها. ولا أحد يدري كيف جرى تقدير الصخور في زمان ما قبل انتشار
ديانات التوحيد، اليهودية والنصرانية والإسلام. ويعنينا أن الصفواء تكيفت والتصوف
الطرقي غير العالم، «تيكورما» الأمازيغية، لذلك نسجت حولها أساطير شعواء، من ذلك
علاقتها برجال التصوف والتشوف، وعلاقتها بالحجاج من صنف الحيوان، أي: القطط.
ألفيت أربعة أحجار ذات
شأن بجبال الأطلس الكبير الشرقي، ثلاثة تلبس التصوف الطرقي وحجر واحد محج القطط:
-
صفواء مولاي عبد الله بن علي بن طاهر في خانق الغربان المسمى اختصار الحنگ، وهي صخرة ضخمت تدحرجت من الجبل تحقيقا لمراد
الولي مولاي عبد الله بن علي بن طاهر الذي مر هو وموكبه بخانق الغربان الذي تعبره
الطريق التجارية سجلماسة فاس. ومرد نزول الصخرة أن أفرادا من قبيلة أيت عيسى كانوا
اعترضوا سبيله، ولما لم يخجلوا من أنفسهم
وهم يعتدون على الولي الصالح ذي النسب الطيني والروحي، وقبل ذلك يعترضون
سبيل القوافل التجارية، نزلت الكرامة لتبهر الأعداء، فكان تدحرج صفواء ضخمة من
أعلى الجبل لتقضي على المعتدين من أيت عيسى. ولما حصل استعطاف الولي والاعتراف
بكرامته ثبط تدحرج الصفواء واعترض سبيلها فأضحت شلاء جامدة في مكانها، فما كان
ممكنا الاستمرار في ممارسة السلب وقطع الطريق هناك، فجرت هجرة أيت عيسى إلى واد
حيبر لتغير اسمه وتستبدله بواد أيت عيسى أحد رواد واد گير. هنالك قررت أيت عيسى تنظيم زيارة سنوية
لشرفاء مدغرة، حفاظا على ذاكرة الصفواء بذبح عظيم عجل سمين يلائم مقام روح الولي
مولاي عبد الله بن علي بن ظاهر.
-
صفواء ميمون
أبي وكيل المدعو اختصارا «سيدي بوكيل» حجر ضخم مموضع بسرير واد زيز بفج تگندوزت بين دائرة إملشيل
الإدارية ودائرة الريش. ومن الروايات الشعواء في هذا الشأن أن حجرة حملت الولي
ميمون أبي وكيل في رحلته باحثا عن كهف يؤويه. فكان أن حطت الصفواء قرب كهف يسمى «تيفريت
ن تدرغالت»، أي: كهف العوراء. ولما لم يَلْف [فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة] شريطا زراعيا
يضمن له الكفاف هو وأسرته واصل المسير شرقا ليستقر بكهف آخر بدرع صخري يسمى«تزروت»،
وهو الذي يحتضن في الحال بناية ضريح الولي المذكور، وبناية الزاوية الوكيلية. وأما
كهف العوراء فقد كسح ريث بناء الطريق الجهوية رقم 706 بين الريش وإملشيل، واختفى
في بساط ذاكرة الأماكن.
-
صفواء الولي مولاي بن عمرو. يعرف هذا الولي بنسبة رجمين إليه، الرجم
الأول بقصر (دوار) غزوان، والثاني بقصر (دوار) تامسلمت، كلتا النقطتين العمرانيتين
بمنطقة تالسينت. ويلقب الولي المذكور ب«بوقبرين»، وللقبرين رواية شعواء لا تعنينا
هنا. واللافت أن قبائل أيت سغروشن التي يتبرك كل أفرادها بالولي مولاي علي بن عمرو،
لا تفتأ تتخذ لهذا الرمز تذكارا صخريا أو رمزيا على شكل قصائد شعرية. ومن بين
التذكارات الصخرية صفواء مولاي علي بن عمرو قرب موضع سد الحسن الداخل، ارتقت إلى
مزار صخري لرحل أيت سغروشن بمحيط مدينة الرشيدية.
وإلى جانب أحجار رجال التصوف نسبت صفواء إلى الهر كائنة جنوب شرق فج بني
مطير بجبال الأطلس الكبير الشرقي بالجماعة الترابية امزيزل، نسجت حول الصخرة
أساطير شعواء من ذلك أن قطط المنطقة تحج إليها صباح يوم العاشر من شهر ذي الحجة.
وتنبغي إلى الإشارة إلى أنه في كل منطقة يجري تعليل اختفاء القطط صباح يوم عيد
الأضحى، وذلك بنسج الأساطير حول هذه الظاهرة.
ونظرا لأهمية الصخور والجلاميد، إن من حيث معلمة المجال الوظيفي بجبال
الأطلس الكبير الشرقي، أو من حيث احتضانها التراث الثقافي الشفاهي ذي الصلة
بالتصوف الطرقي، وجب الاعتناء بها على مستوى تدوين التراث الشفاهي طمعا في إنشاء
متاحف تفسيرية تخدم السياحة الثقافية بالمنطقة، وعبرها التنمية البشرية.
لحسن ايت الفقيه
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire