جرى برحاب المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالرباط، مساء
يوم الجمعة 27 من شهر نونبر من العام 2015، تكريم ثلة من الموظفين الذين انتهى
أوان مهماتهم آدائهم خدماتهم، بما هم موضوعون – وضعتهم مؤسساتهم الأصلية-
رهن إشارة المجلس بناء على طلبه، فترات متعاقبة.
حضر الحفل جل الموظفين العاملين
وبالمركز وجيء بثلاث موظفين من جهة دعة تافيلالت، اثنان منهم سيكرمون والثالث جيء
به طمعا في شهادته. وتقدم لافتتاح الحفل وإعطائه سياقَه [بفتح القاف لأن المصدر
يعمل فعله فيرفع الفاعل وينصب المفعول] الأستاذ محمد الصبار الأمين العام للمجلس
الوطني لحقوق الإنسان ليعتذر في البدء عن عدم تمكن السيد رئيس المجلس الوطني لحقوق
الإنسان من حضور الحفل لمهمة ما حتم سفره إلى خارج الوطن، وكان السيد الرئيس قد
دخل قاعة الحفل، ليسلم على الحاضرين، ويبلغ ذلك الاعتذار بنفسه، قبل استقامة
المدعوين على شاكلة الحفل جالسين مفصحين عما يخالجهم من عطف وحنان إزاء اللقطة
الإنسانية.
ذكر الأستاذ محمد الصبار أن حدث التكريم من فكرة مديرية
الموارد البشرية بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، اهتدت إلى ذلك لصنع مناسبة الوقوف
عند القيم المضافة التي أقامها المكرمون إلى مؤسسة المجلس:«وإننا لنشعر بنوع من
الأسى والأسف لمغادرة هؤلاء هذه المؤسسة». قدم الأستاذ محمد الصبار المكرمين الست
سيرهم الذاتية ومسارهم المهني وسماهم، فكان السيد محمد الهكاري رجل المهمات الصعبة
والسيد عبد اللطيف قاسم محور الدينامية المدنية بالجنوب الشرقي يمتد آداؤه ليستغرق
جل المواقع العمرانية والقبائل «من درعة إلى آخر نقطة بقبائل أيت عطا»، وتبين من
مسار بعض المكرمين المهني غنى الآداء الحقوقي وقدمه بالمؤسسة، منذ السنوات الأولى
من إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، مرورا بفترة هيئة الإنصاف والمصالحة
التي تتجسد في عملها العدالة الانتقالية المغربية، كما هو حال الأستاذ مراد عفيف
الذي ستستفيد محكمة النقض من تجربته المتراكمة إدارتهُ الأصلية محكمة النقض. ولئن
كانت الأستاذة نعيمة بن واكريم مديرة مديرية حماية حقوق الإنسان والرصد [بفتح
الصاد] عبرت –تواضعا منها- عن قصورها في بلوغ مستوى الأستاذ محمد الصبار في
التعبير عن وقع المناسبة وسياقها فقد كان لكلمتها وقع إيجابي على الحفل لملامستها
ما يجب التركيز عليه من الخصل من ذلك وصفها الأستاذ مراد عفيف بنبل الأخلاق
والاشتغال في صمت، ووصفها الأستاذة خديجة بن عمر بالتفاني في العمل، حيث كانت إلى
حدود آخر لحظة، قبيل أوان الحفل، عاكفة بالمكتب تؤدي المهمة على وجهها. وأشير، عقب
ذلك، إلى الأستاذة فاطمة عراش رئيسة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بالرشيدية
ورزازات لتكون شاهدة على ما قضته من فترة مع الأستاذين عبد اللطيف قاسم ومحمد
الهكاري فأكدت ما ورد على لسان السيد الأمين العام «وهو يقدم ويكرم كل الأخوات
والإخوان الذين اشتغلوا بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان وقبل ذلك في المجلس
الاستشاري لحقوق الإنسان ». وودت، قبل ذلك، أن تشكر من «اهتدى إلى هذه المبادرة
لفائدة الذين اشتغلوا بكل تفان في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ليس تعبيرا عن
انتهاء عملهم، ولكن تعبيرا فترة جديدة. ذلك أن الذين اشتغلوا في هذه المؤسسة هم
مناضلون ومناضلات، وإن عمل المؤسسة يستمر مع المناضلين والمناضلات، ويفيد ذلك أن
المؤسسة شريك المجتمع المدني»، وكما ورد على لسان السيد الأمين العام فإن «السيدين
عبد اللطيف قاسم والسيد محمد الهكاري محرك [دينامو] المجتمع المدني، في الجنوب
الشرقي عامة وكذلك في ورزازات وزاكورة. إننا نعدكم وعدا يقضي باستمرار العمل مع
الأخوين، إذ اللحظة ليست تعبيرا عن المغادرة ولكنه بداية حسنة لانطلاق عمل آخر
تقوده المؤسسة مع الأخوين، هذه هي كلمتي»، تقول الأستاذة فاطمة عراش «وإني أشكركم
على الخدمات التي أدوها، وإني شاهدة مع علمت علما أني متتبعة وعضو في التنسيقية
الإقليمية لجبر الضرر الجماعي، في عهد المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وتابعت
جلسات الاستماع التي نظمتها هيئة الإنصاف والمصالحة، وإذ أحييهم على عملهم في تلك
الفترة، وليعذرني السيد الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان فإني أعطي
الكلمة للسيد لحسن ايت الفقيه لأنه هو الذي صاحبهم مدة طويلة، وعن قرب». وأضاف
السيد الأمين العام أنه «قبل أن أعطي الكلمة للسيد لحسن أيت الفقيه أشير أن لحظة
الوداع هي لحظات منتظرة ومتوقعة في التاريخ، وان اللحظة عادية وطبيعية، ففي يوم ما
سنغادر، وإني ألفيت أمامي وجها سيقضي معنا مدة قصيرة ليخرجه موعد تقاعده عن العمل
بيننا، تلك هي سنة الحياة، قد نغادر مغادرة طبيعية وقد نغادر مغادرة اضطراية، وفي
هذا الصدد أعطي الكلمة للسيد عبد الرزاق الحنوشي ليفضي خبر المغادرة الاضطرارية».
وإنه لحادث طارئ يقول الأستاذ عبد الرزاق الحنوشي «إننا لم نتوقع مغادرة الأخت
أسماء فالحي إحدى الزميلات العزيزات بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان. وستغادرنا
اضطرارا لأن آفاقا جديدة فتحت [فعل ماض مبني للمجهول] أمامها، عملا [بدل منصوب]
مهنيا آخر، وإننا كزملائها لا نزال متأثرين بوقع الخبر والصدمة التي ألمت بنا،
لأننا نشكل فريق عملٍ واحدٍ. ومرد ذلك إلى الألفة المتراكمة بفعل صناعة الإخاء
لأننا نقضي ثلثي وقت مع بعضنا»، وفي هذه الأثناء ترى الأخت أسماء يكظم غيطها
مقاومة البكاء تحت وقع كلمة الأستاذ عبد الرزاق الحنوشي، الكلمة الصادق لرجل ذي
رأي ثاقب، رجل هادئ، وسنعود إلى هذا الكلام، في مناسبة أخرى «إننا ننسج علاقات
إنسانية وتتعمق الألفة بيننا، وتتعمق الروابط بيننا، وكما قال السيد الأمين العام
فإن لحظة الفراق صعبة للغاية لما تفرضه من قطيعة ووقع قوي. ورغم ذلك، وكما هو سائد
في ثقافتنا فإن كان هذا التحول سيتصحب معه خيرا» [أجد صعوبة في النقل الحرفي لكلام
الأستاذ عبد الرزاق الحنوشي، لأنه مسجور بالفكر والعاطفة، ولما تقترن العقلانية
بالوجدان فإن المزج بينهما بسلاسة وبإيقاع هادئ معبر، لا يقدر عليه سوى شخص في
مستوى الأستاذ عبد الرزاق الحنوشي] «ومن زاوية وجوب مقاومة الأنا فإن كانت آفاقها
واعدة، فمرحبا بذلك، ولنقاوم وقع الصدمة، وإني لم ألْف [فعل مضارع مجزوم بحذف حرف
العلة] فيها سوى روح التعاون والإخاء والجدية»، بدت الأخت أسماء محرجة تحت وقع
الشهادة الصادقة الإنسانية للأستاذ عبد الرزاق الحنوشي «وإني كل ما أتمنى لها
مسارا موفقا، وسيكون مسارا موفقا لما أعرفه من كفاءة لديها، لقدرتها على التكيف مع
ظروف الوسط المهني، وفي جميع الأحوال فإني لا أزال تحت وقع الصدمة»، وتعد شهادة
الأستاذ عبد الرزاق الحنوشي التي تعد تكريما، غير مناسباتي، للأخت أسماء فالحي،
نسجل أن المناسبة لقطة في الذاكرة وجب الاحتفاظ بها. أعطيت لي الكلمة من لدن
الأستاذ محمد الصبار، فقدمت مقدمتها باللغة الأمازيغية لأنتقل إلى اللغة العربية.
«.....ذروني أتحدث باللغة العربية، وذروني أزيغ قليلا،
أريد أن استحضر روحا عظيمة غادرتنا قبل سنتين روح الزميل والصديق عمر السعدي الذي
اختطفته [أو اختطفه، فعل لفاعل من غير الحيوان، يجوز تذكيره وتأنيثه] الموت، بعد
داء عياء عنيف لم ينفع معه علاج، انتقل إلى الدار الأخرى، انتقل إلى ما وراء
الطبيعة، وذروني أعود إلى الأحياء أعود إلى السيد محمد الهكاري والسيد عبد اللطيف
قاسم. فكرت بكرة يومه أن أكتب الشهادة لكني وجدتني أجازف لأن الكلمة ستكون طويلة
ولن تنتهي لأنها ستكون مسجورة ببعض المواقف المعقدة والمتداخلة والوضعيات ولن تكون
ذات فائدة في هذه المناسبة لذلك فضلت الارتجال. وإنه من الصعب الحديث عن السيدين
محمد الهكاري وعبد اللطيف قاسم بدون استحضار بعض الأبعاد:
-
البعد السوسيوثقافي: كان السيد محمد الهكاري ينحدر من واحة سكورة [تسمى في
المخطوطات هسكورة] الواحة التاريخية التي ساهمت في صنع تاريخ المغرب وحضارته، وكان
السيد عبد اللطيف قاسم من أبناء واحة مزگيطة [إمزكي بالأمازيغية] الواحة
المحصنة التي لا تزال تزخر بقيم أمازيغية اصيلة. ولهذا البعد السوسيوثقافي تأثير
على سيرة الصديقين.
-
بعد العدالة الانتقالية: منذ يوم 10 من شهر شتنبر من العام 2004 و11 منه
بحضور الفقيد إدريس بن زكري، بدأت اللقاءات تنظم بالمنطقة حول العدالة الانتقالية،
وللدينامية المدنية بالجنوب الشرقي وقعها في المنتدى الوطني حول جبر الضرر الجماعي
المنظم بالرباط من يوم 30 من شهر شتنبر من العام 2005 إلى 02 من شهر أكتوبر
الموالي. وسيرا السيدان المكتب الإداري الجهوي للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان
الذي جرى يوم الجمعة 30 من شهر أكتوبر من العام 2009، ومنذ وقتها ساهم المكتب في
إجراء مجموعة من الأنشطة.
-
البعد المجالي: يمارس الماهنان الحقوقيان والجمعويان نشاطهما في مجال
جغرافي لونت خريطته رموز جبر الضرر الجماعي. ففضلا عن أماكن حرفت أحداثا انجرت
عنها الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، تنغير، وأملاكو، وأسول، وكلميمة، وبوزمو،
وإملشيل كانت توجد بالمنطقة، في السنوات الماضية، خمسة سجون سرية: سجن تگونيت [تيگنيت]، وسجن أكدز، وسجن قلعة مكونة، وسجن
تزمامارت، وسجن كرامة، وهو مجال ساهم في تراكم التجربة الحقوقية الفائقة
للأستاذين.
-
البعد الجمعوي: وقد سلفت الإشارة إلى ذلك، بل إن تجربة عبد اللطيف قاسم
الجمعوية تكاد أن تغطي كل الجنوب الشرقي المغربي.
كل تلك الأبعاد ساهمت في
تراكم تجربة الأخوين لكن هناك اختلا في شخصيتهما فإذا كان السيد عبد اللطيف قاسم
يكظم غيطه ونادرا ما ينفعل، فإن السيد محمد الهكاري خادم بما تعني الخدمة في لغة
الدين والمعابد القديمة، يؤدي الخدمات بتفان، تساءل عن مصدر هذه الصفات والقيم
مرارا، وحدث أن زرته يوما بمدينة سكورة وعرض علي مخطوطا قيما يحوي سيرة أبي الحسن
الهكاري أحد المتصوفة المشهورين وهو الذي تنحدر منه الأسرة، وقمت بنسخه لكني لم
أتوفق وسأعود لمعاودة الفعل، وقدم لي البارحة مجموعة من المخطوطات اليهودية سأشرع
في استثمارها». هنالك تناول السيد محمد الصبار الكلمة ليذكر «بأننا ننتمي إلى مؤسسة
محترمة ذات مصداقية، وهي في قلب الإستراتيجية العامة للدولة من أجل النهوض بثقافة حقوق
الإنسان ومن أجل الإنسان، تشتغل بروح جماعية»، فكان آداؤها موفقا، وكان الحفل موفقا
منتهيا بتوزيع الهدايا الرمزية على المكرمين وبتوديعهم خير وداع.
لحسن ايت الفقيه
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire