lundi 22 février 2016

المجالية والهوية الثقافية والتنمية بحوض گير -الحلقة الثانية-



لئن كان التدبير التقليدي للأرض أتى أكله سلبا، مع انهيار الأمن الثقافي لغياب نصوص تحميه، فكان الوقع، غير المرغوب فيه، سفك الدماء وتأجيج الصراع، وقرع أبواب المحاكم والسجون في أسوأ الأحوال، فإن التدبير القائم على التجارب التي دمجت التقليدي بالحديث: ائتلاف الجماعات السلالية والجمعيات والمنتخبين، ورجال السلطة، في نسق واحد، أتت أكلها ضعفين، إن في الانفتاح على الاستثمار، أو في إعمال المقاربة التشاركية، كما هو حال تجربة حوض گير ببوذنيب كاليفورنيا المغرب، وهي تجربة تستدعي منا المتابعة.

ولما كان للتحولات المجالية وقعُها بحوض گير برزت شأنا مفكرا فيه، هي والهوية الثقافية، في حصتين اثنثين: الحصة الأولى في ضيافة اتحاد المبادرات التنموية في مهرجان بوعنان للثقافات الأصيلة، بمركز بوعنان غرب إقليم فيجيج،  أيام 04 من شهر فبراير من العام 2016، و05 منه و06، والحصة الثانية صادفت اليوم الموالي 07 من شهر فبراير من العام 2016 ، بقرار جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي، إذ نظمت يوما دراسيا حول أرض الجموع بقاعة الاجتماعات ببلدية بوذنيب شرق إقليم الرشيدية. ولقد سلف أن نقلنا بعض المواقف ونحب أن نزيد. وستبرز المجالية وينكشف  ما تبطن ثناياها في العقبى.
نذكر أن اليوم الدراسي انتظم بقاعة الاجتماعات ببلدية بوذنيب في حصتين حصة المداخلات، وقد سلف أن بسطت مداخلتي فيها، وعبرت عن بعض مواقفها كتابة في الحلقة الأولى، والتي استغرقت، فوق ذلك،  مداخلة الأستاذ محمد فريح الناشط المدني والباحث، كما قدمه السيد سليمان مزيان، عن جمعية الألفية الثالثة لتنمية الفعل الجمعوي بالجنوب الشرقي، والذي دعي مسيرا اللقاء. نقول استغرقت مداخلة حول «الولوج إلى أرض الجموع في خطاب التقليدانية والحداثة» نقف عندها ساعته، لنعود في العقبى إلى إضافة المزيد.
 ود الأستاذ محمد فريح، قبل أن يدخل إلى موضوع مداخلته، «الإشارة إلى أمور عديدة، من بينها تجربة بوذنيب، فيما يخص الولوج إلى أرض الجموع، وهي بحق تجربة جديدة على المستوى الوطني» ورد رفيه أن ولوج أرض الجموع يطرح شكله «في الوقت الراهن عددا من الإشكاليات والتعقيدات. لماذا هي تجربة جديدة لأن نقاشا داخليا طالها ضم النسيج الجمعوي وضم ونواب أرض الجموع، وضم السلطة المحلية، وضم المجالس المنتخبة، والمصالح الخارجية»، وهي تقاطعات أفقية وعمودية تعطي للتجربة طابعا خاصا «وهي وإن كانت في بداية مسارها، فهي مبشرة بالخير، وتستدعي أن نرشدها، وأن نتعامل معها من قريب أو بعيد، وسيجري نقل هذه التجربة إلى مناطق أخرى نظرا لما تعرفه من نتائج إيجابية، وإن لم تعط أكلها اقتصاديا فقد خلقت نقاشا ندر فتحه في الوسط القروي، وقد ساد من قبل نقاش أحادي دون الرجوع إلى الشركاء، نتمنى أن يدوم هذا النقاش»، وأشار أنه متتبع لمجموعة من التجارب، قد يدرج بعضها، و«التي ترمز إلى الولوج التقليدي لأرض الجموع، فضلا عن النماذج الحديثة، وفي جميع الأحوال تظل تجربة بوذنيب فريدة من نوعها على المستوى الوطني، وجب أن نعتز بها جميعنا ونفتخر. وأضاف أن الهيئات المتدخلة «في هذا الملف بالإضافة إلى الترسانة القانونية المنظمة لهذا الوعاء العقاري  المهم لا زال تقبع في التقليد والقدم وتحيل إلى مرحلة عتيقة حصل تجاوزها بفعل سيرورة التحولات التي عرفها الوسط القروي منذ الاستعمار، وإلى وقتنا الراهن. إن وضعنا اليوم مغاير بشكل كبير لما كانت فيه فترة إقرار ظهير 1919، من حيث عصرنة القوانين وتركيبة المجتمع». ذلك «أن أرض الجموع بعمومها مرتبطة في وجدان سكان الوسط القروي القبلي بالحرب والدم كما أشار من قبل السيد لحسن أيت الفقيه، ذلك أن الأرض لا تكون طاهرة إلا بالدم، حيث كان المجال القروي بثلاث فضاءاته الترابية المختلفة رهين لمدى قوة القبيلة وبأسها في فرض سيطرتها وهيمنتها على مجال ترابي يتمدد ويتقلص بحسب قوتها التي تتشدد وتضمحل في فترات تاريخية مختلفة وعلى مر الزمان [استشهد بقبيلة أيت مگيلد التي تنظم الخيام تنصيبها بشكل دائري، وهناك مجال رعوي، وهناك مجال حر الممكن الاستحواذ عليه، إن نمت قوة القبيلة]. فالحصول على الأرض يجري دائما بالاستحواذ عليها بالعنف المادي، حيث تنتزع الأرض بالقوة وتسلم للجيوش، والعنف الرمزي، والذي ينجر عنه استيلاء الزاوية على مناطق شاسعة وهذا الملك الثقافي القبلي الحامل بثناياها العنف بمختلف أشكاله، له وقع كبير على إمكانية الاستفادة في  وقتنا الراهن، الذي نحن في أمس الحاجة إلى هذا الوعاء لما يوفره من خيرات وإمكانيات لاستحداث تنمية حقيقية بالبلاد. وارتباطا بموضوع التنمية فبلادنا ملزمة بتوفير رؤوس أموال والتي يمكن التحصل عليها، إما عبر فتح المجال للاستثمار الأجنبي أو اللجوء إلى قروض وطنية ودولية، ومطالبة كذلك بالرفع من المستويات التعليمية حتى تواكب متطلبات العصر الحديث وتكون في مستوى الواقع الحالي العالمي، هذا دون إغفال أهم ركن وهو تسهيل الولوج للعقار المتعدد التركيب والتعقيد في بلادنا. إن موضوع الولوج إلى أرض الجموع في مغربنا الحديث يحصل عبر نماذج وآليات يختلط فيه التقليدي بالحداثي. وهذا الولوج يرتبط بشكل مباشر بالدور الذي تلعبه الدولة كفاعل حقيقي خاصة في موضوع أرض الجموع إما بالإيجاب أو بالسلب، فيما تساعد في تسهيل عملية الولوج كما هو الحال في نموذج بوذنيب، وهي أول منطقة مستعمرة من لدن فرنسا، ثم عُقبت [من العقاب] في عهد الاستقلال لارتباطها بشخص معين، لسنا في حاجة للانعراج إلى السياسة، ولقد آن الأوان لنتعاون ونتعاضد من أجل تنميتها وإعادة الاعتبار لبوذنيب لما لها من تاريخ طويل، ونموذج فجيج، حيث تدخلت الدولة سنة  1990 لرفع الهشاشة. وإما يكون دورها سلبيا وتغض الظرف على كل أشكال الاستيلاء غير المشروع على هذه الأرض. وقبل الخوض في أهم نماذج الولوج إلى أرض الجموع لمنطقتنا، لا بد من الوقوف على الوضع الصعب الذي تعيشه الجماعة السلالية كطرف أساسي في معادلة الولوج فالجماعة السلالية تنظيم قبلي عمد إليها الحرص على الحفاظ على هذا الوعاء العقاري وجعل منها ظهير 1919 شخصية تتمتع بالصفة المعنوية يبقى دورها ضعيف أمام الأدوار التي تطلع بها السلطة المحلية، ومجلس الوصاية الذي يبقى هو الأمر والناهي في موضوع أرض الجموع. إن الجماعة السلالية في تركيبتها القديمة/ الجديدة لم تعد تساير المستجدات الحاصلة على مستوى الوسط القروي، فتشكيلتها وهندستها لازالت تقبع في القدم في حين أن القبيلة طرأت عليها تحولات وتغيرات جدرية، وبذلك أضحت جماعة بدال دون مدلول. كما أن الأدوار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي تطلع بها هذه الجماعة، أحيلت بفعل عملية التحديث والعصرنة التي تعرض للوسط القروي بمؤسسات أخرى، وبذلك أضحى دورها استشاريا في الولوج إلى أرض الجموع، وفي تنظيم عملية توزيع الماء، وتعيين حارس الغابة. وحسبنا أن الجماعة السلالية لحقها تغيير، فليست الجماعة تركيبة واحدة، فالجماعة التي تجتمع لتعيين إمام المسجد، هي نفسها التي تنظم توزيع الماء ولقد أضحى تعيين الإمام بيد الأوقاف. ومعنى ذلك، أن هندسة الجماعة السلالية تتحول دواما حسب الزمان والمكان، وحسب المعطيات الأخرى. كما أن جل الأعضاء المنتمين لهذا التنظيم من كبار السن لا يفقهون شيئا في الأمور القانونية حيث بدأ القانون يأخذ مكان العرف شيئا فشيئا. ونجد أهم المشاكل:
-         غياب الإطار القانوني يحمي نواب أرض الجموع رغم الأدوار التي يقومون بها، في وقت ارتقى فيه جشع البحث عن الأرض (استشهد باعتقال نائبين سلاليين ومتابعتهما في تلك الحال، وإطلاق سراح المترامين. ولم يشر إلى المكان الذي حصل فيه ذلك).
-         المستوى الثقافي والمعرفي لأغلب أعضائه.
-         عدم ملاءمة تركيبتها للوضع المجالي للقبيلة.
-         استحواذ مؤسسات جديدة وحديثة من دورها ووظائفها.
-         دورها الاستشاري في ملف أرض الجموع».
ولأن الوقت لم يمكنه من التفصيل حاول تجاوز ما يلي «سأحيل على المنطقة كل على حدة، ونحاول استقصاء طرف الولوج بها إلى أرض الجموع، حيث مناطق تعوج بالنزاعات والصراعات، بحكم أن عملية الولوج تجري بطريقة تقليدية يجري بها إقصاء عدد كبير من السكان إما بفعل... أو عدم انتمائها إلى القبيلة على الرغم من استقرارها بالمنطقة لسنوات طويلة أو بفعل جنسها (المرأة) وانتمائها العرقي (العنصر الأسود)»، وانتقل إلى عرض النماذج مكتفيا بالنماذج السائدة بمنطقة بوذنيب.
بدأ بالنموذج التقليدي للولوج إلى أرض الجموع، «انطلاقا من قاعدة ذوي الحقوق، وهي أمور معقدة. وحسبنا أن لا وجود لمنطقة في المغرب جرى تحديد من هم ذوو الحقوق فيها دون إثارة أي تشويش ونزاع. وفي حال نجاح التحديد المذكور نلفاه يقصي المرأة». واستشهد بتجربة أيت خليفة بمحيط مدينة الرشيدية حيث بيعت شواهد الاستفادة لحوالي 40 مستفيدا على الأقل. واستشهد كذلك بمنطقة «واقا»، «ولنفترض أن التجربة ناجحة، فقد ساد سوء التوزيع حيث حصل إقصاء بعض العائلات، وفتح المجال للبيع الممنوع كلية، أما أعين السلطة المحلية، بمعنى أن السكان لم يستفيدوا من عائدات هذه الأرض. ولم تتدخل السلطة، للأسف، إذ ذرأت هذا المشكل يثير، دواما، الاحتقان. وبخصوص قبيلة اخليل حصل عدم استفادة كل ذوي الحقوق، وحرمان المرأة من حقها، وفتح المجال للسماسرة لبيع هذه الأرض»، واستشهد كذلك بمثال أيت يحيى وعثمان بمنطقة گلميمة «ولقد دخلوا المحاكم إثر عراك بينهم بالسلاح الأبيض». ومحصل القول:«إن كان العرف يوما يؤدي رسالته كنظام تنتظم على أساسه القبيلة، فقد انطلقت سيرورة من التحولات في المغرب منذ عهد الحماية الفرنسية وإلى الوقت الراهن والتي عرفت وتيرة سريعة للغاية، في السنوات الأخيرة. لنبين قليلا القصد: فمن منا يملك بالأمس جهاز التلفاز؟ قد تملكها عائلات معينة، والآن تجد أن الكل يملك جهاز الهاتف الذكي. فالوسط القروي، في ظل الثورة التي حصلت في وسائل الاتصال، يتحول كغيره من الأوساط، وبنفس إيقاعها، وبالتالي، أصبح موضوع العرف متجاوزا أبينا أم كرهنا. كلنا مغاربة سواء وجدتني أنتمي إلى إثنية أيت فلان، أو أيت فلان، ولا يمكن أن نرجع السكان إلى نظام حصل تجاوزه». وسأسوق تجربة حديثة «إذ حاولنا أن نجمع بين الجماعة السلالية، والنسيج الجمعوي، وبين المتدخلين الآخرين، فأنشأنا وضعا آخر للولوج إلى أرض الجموع. فهناك تجربة الإخوان بمنطقة فجيج، كما سلفت إليه الإشارة، إذ أنشئت تعاونية الإثنوسلالية للرعاة، إذ جرى تجميع الرعاة وتقسيمهم، حسب الإثنيات، ونظمت لهم تعاونيات. والتجربة في مجملها خصبة تمكننا من استخلاص عدة نتائج وملاحظات. انطلقت سنة 1990، بتتبع المعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرية إلى جانب المختبرات الفرنسية، وينجز كل مرة تقييم وخلاصة. واستطاعت هذه التعاونيات أن تدخل نوعا جديدا من الاصطفاف يبعد التعاطي مع المجال على أساس القرابة، وتمكنت من ضمان مورد للرزق. وتعلم الرعاة داخل تلك التعاونيات الأخلاقيات الديموقراطية، وتعلموا التنظيم. وهناك تجربة ثانية بالرشيدية، إذ فتح باب الاستثمار. وإذا تتبعنا تجربة بوذنيب نجد المشاركة الواسعة في ملف أرض الجموع أمام السكان، ونحن نخوض نقاشا اليوم، وهو النقاش الغائب بمنطقة الرشيدية. فالنواب (نواب أرض الجموع) هم المتدخلون مباشرة، في ملف الكراء، وحتى في توظيف عائدات الكراء [هنا خاص دار الشباب، نديرو دار الشباب، هنا خاص الحمام نديرو لهم الحمام] ويجب مناقشة شأن أرض الجموع وتوجيهه توجيها صحيحا حتى تستجيب لحاجات السكان». وعرج إلى تجربة بوذنيب «فبالإضافة إلى السلطة المحلية، وباقي المتدخلين نخوض نقاشا، فهناك مشاركة المتدخلين في اتخاذ القرار واستثمار العائدات. لأنها تجربة تجمع بين المؤسسة التقليدية والحديث. وعملت التجربة على رد الاعتبار لمؤسسة نواب أرض الجموع التي طالها التهميش والإقصاء حيث وفرت لها الجمعية الحماية اللازمة من هول السلطة السائد في مناطق أخرى من المغرب. وانتقل اتخاذ القرار حول ملف أرض الجموع من منطق الجماعة في شكله الضيق إلى موضوع رأي ونقاش عمومي مفتوح، على عموم السكان من ذوي الحقوق وغيرهم. وجرى توسيع قاعدة المستفيدين من أرض الجموع لتضم الغرباء على المنطقة وتنفتح على رؤوس أموال وطنية، ووفر ذلك فرص الشغل. ومن مواصفات تجربة بوذنيب توحيد الرؤى والتصورات للاستفادة من إمكانية النهوض بالمنطقة وفق مقاربة تشاركية مكتملة. إن تجربة بوذنيب، في مسألة الولوج إلى الأرض الجماعية تظل فريدة من نوعها في المغرب، من حيث المتدخلين في اتخاذ القرار واستثمار العائدات. إنها تجربة تجمع بين المؤسسات الحديثة والتقليدية، ضامنة بذلك مشاركة أوسع لإخراج ملف أرض الجموع، من منطق الجماعة السلالية إلى منطق المجتمع، خالقة بذلك نقاشا عموميا هادفا، وحراكا شعبيا هادئا ليس له مثيل على المستوى الوطني. وتختص هذه التجربة بالتوزيع العادل للمعلومة».
«إن الحكامة الجيدة في أرض الجموع لن تعطيَ أكلها إلا في المدى المتوسط، وكل ذلك، على الرغم من إيجابياته، غير كاف ما لم يكن مقرونا بنظرة واضحة وأهداف محددة لما تصبو إليه في المستقبل».
لحسن ايت الفقيه

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire