جميل أن ينفتح
القضاء على المجتمع المدني، وأن ينفعل مع قضايا الوسط التي تؤرقه، وتلك بداية حسنة
لجعل المؤسسة جسما مرغوبا فيه، في الأوساط المغلقة. حصل بمركزية الريش >>مركز القاضي المقيم<<، وهي مؤسسة أسند لها امتداد سكني واسع، يكاد
أن يغشى كل بساط جبال الأطلس الكبير الشرقي، انفتاح لا مثيل له، من قبل. وإن في هذه الدائرة القضائية أوساطا اجتماعية، غير
مستعدة، في الحال، للامتثال إلى المؤسسية والحداثة. ولا عيب في ذلك، فهي أوساط محمولة
لتنزح، كرها، نحو الانغلاق، مادامت تعاني من تخلف التنمية.
وفوق ذلك، فالبساط المذكور كان جلب اهتمام هيئة الإنصاف والمصالحة، سنة 2004، إذ كان مطوقا بمواقع الانتهاك، موقع تازمامارت غير البعيد عن مركز والريش، وموقع السونتات بجهة الغرب، وموقع أملاكو، بكاف معطشة، بالجنوب الغربي. ولئن كان هذا المثلث لم يظهر، في خريطة جبر الأضرار الجماعية، ممثلا كارتوغرافيا، فيكفي مؤسسة الاتحاد الأوروبي أن ميزت محيط معتقل تازمامارت بسمة، لا يرقى إليها الشك، مفادها أن للانتهاك صلة مباشرة بتخلف التنمية. والسؤال الذي يطرح نفسه، وذاك قطب الراحة في هذه المقالة الموجزة، كيف يجتهد القضاء في معالجة إشكاليات الوسط؟ وبالمقابل، كيف يتفاعل الوسط ومدونة الأحوال الشخصية المغربية؟
وفوق ذلك، فالبساط المذكور كان جلب اهتمام هيئة الإنصاف والمصالحة، سنة 2004، إذ كان مطوقا بمواقع الانتهاك، موقع تازمامارت غير البعيد عن مركز والريش، وموقع السونتات بجهة الغرب، وموقع أملاكو، بكاف معطشة، بالجنوب الغربي. ولئن كان هذا المثلث لم يظهر، في خريطة جبر الأضرار الجماعية، ممثلا كارتوغرافيا، فيكفي مؤسسة الاتحاد الأوروبي أن ميزت محيط معتقل تازمامارت بسمة، لا يرقى إليها الشك، مفادها أن للانتهاك صلة مباشرة بتخلف التنمية. والسؤال الذي يطرح نفسه، وذاك قطب الراحة في هذه المقالة الموجزة، كيف يجتهد القضاء في معالجة إشكاليات الوسط؟ وبالمقابل، كيف يتفاعل الوسط ومدونة الأحوال الشخصية المغربية؟
وقف الأستاذ
إبراهيم موعشى ليقيم >>وقفات مع مدونة الأسرة بعد 15 سنة<<، هذه الوقفات ليست إلا أربع مداخلات ضمن
ندوة احتضنها بساط القضاء بالريش مساء يوم الجمعة 22 من شهر مارس من العام 2019،
نورد بيانها بإيجاز كالتالي:
-
مداخلة "التطليق للشقاق بين
النصوص الموضوعية والنصوص الإجرائية" للأستاذ محمد فارس نائب وكيل الملك
بمركز القاضي المقيم بالريش، تلاها في ظرف 17 دقيقة.
-
مداخلة "بعض الإشكاليات العلمية
في تطبيق مدونة الأسرة" تلاها الأستاذ محمد فلاح محام بهيئة مكناس، في 19
دقيقة.
-
مداخلة "تدبير الأموال المكتسبة
بين الزوجين في إطار المادة 49 من مدونة الأسرة" للأستاذ أحمد العرفاوي عدل
بالمجلس الجهوي لعدول محكمة الاستئناف بالرشيدية مكتب الريش، ألقاها في أوان 19
دقيقة.
-
مداخلة "سماع دعوى الزوجية بين
شروط الإلغاء ودواعي الإبقاء" استغرق إلقاؤها 17 دقيقة وانقطع لبسطها الأستاذ
عبد العالي حوماني منتدب قضائي من الدرجة الأولى بمركز القاضي المقيم بالريش.
أقول وقف الأستاذ إبراهيم موعشى، إن هو إلا المسؤول الأول عن القضاء
بجنوبي إقليم ميدلت، المسؤول الذي ود أن ينفعل، بعد دوام الفعل والآداء، بتعليق
فصيح وجريء، لينظر من علُ، من مركز منفتح، على وسط تطغى عليه الشفاهية، ويجري فيه
النزوح نحو إعمال العرف، والتشبث بالقيم التقليدية القديمة، والحفاظ على البنيات
والأنساق القديمة... وقف، وكل واقف، هنا، قد
يرمق طرفه الكثير من الأهوال، أهمها التوتر الذي يحصل بين الثقافي والحقوقي، إذا
سلمنا أن مدونة الأسرة المغربية، بما هي وجه، يمكن القول جوازا، إنه حديث، وجه يستنشق
نسيم حقوق الإنسان، دون أن نعمق النقاش فيما إذا نجحت المدونة الجديدة تحقيق
القطيعة على مدونة الأحوال الشخصية التقليدية. وحسبنا التوتر الذي ظل قائما بعد أن فرض زواج القاصرات نفسه، لأن الثقافي، كدأبه،
يلتهم الحقوقي، كلما اصطدم معه في بساط ما، كنحو جبال الأطلس الكبير الشرقي. وقف
الأستاذ إبراهيم ليكسر الجدار الصلب بضربتين: أولاهما تنظيم الندوة، هي الأولى من
نوعها، بقلب جبال الأطلس الكبير الشرقي سمتها >> وقفات مع مدونة الأسرة بعد 15 سنة<<، وهي امتداد عملي للانفتاح الذي أصبح يعرفه
القضاء بجهة درعة تافيلالت. وثانيهما الإفصاح عن جرأة القضاء في التعاطي مع قضايا،
يبدو أنها تزيغ كل الزيغ عن الحداثة، وتتصل بزواج القاصرات وإن شئت قضايا الأسرة
بالأطلس الكبير الشرقي. لقد (أثيرَ التساؤل حول موضوع زواج القاصرات) تعليقا على
الندوة. و(في الحقيقة إنه موضوع يؤرقنا بشكل يومي، وترد علينا طلبات الزواج بشكل
دؤوب، وخاصة في فترة الصيف. والإشكال المطروح، لدينا نحن الممارسون [بدل مرفوع]
والمهتمون يكمن في توقيف هذا النزيف. فالأصل أن تلفى الفتى والفتاة دون سن الثامنة
عشر في المدرسة)، ومعنى ذلك، أن الظاهرة تتصل بالهذر المدرسي. (وكيفما كان الأمر
تظل الظاهرة مستفحلة. ولدي مقاربة شخصية أعمدها لمعالجة الظاهرة. إني أبحث عن
المستوى الدراسي للفتى والفتاة، إذ هما أمام باب القاضي يرفعان طلب الإذن بالزواج.
وكلما بحثت في المستوى الدراسي لهؤلاء ألفى أنه يقل عن المستوى الثانوي إعدادي،
والأغلبية الساحقة يقل مستواها عن السادسة ابتدائي). و (أما سبب عزوف هؤلاء عن
الدراسة فيبقى بنيويا وفكريا وأسريا)، وقد يتصل (ببنية مجتمع الريش ونواحيها....)،
وتعد (منطقة إملشيل بؤرة لهذا النوع من الزواج). لقد ساد (مجتمع ذكوري) بالمنطقة.
وأفصح أن (مجموعة من الآباء يشبهون البنت، وهم يبررون طلب تزويج القاصر، أنها جمرة
يتوجب إخمادها، أي: سيزوجها في الحال، وعلى وجه السرعة. وإني أتواصل معهم) بالأمازيغية
(اللغة التي يعرفونها)، وتلك شهادة على إعمال الحقوق الثقافية، (إذ القاصر يجب أن
يلفى مكانه (ها) في المدرسة. وللأسف، فالكل ينعت القضاء أنه هو المسؤول الوحيد عن تزويج
القاصرات. وإني أنفي هذه المسألة نفيا قاطعا وأعرب أن هذه الظاهرة تعقدًّها،
تتضافر فيها مجموعة من العوامل، منها ما هو اجتماعي واقتصادي وثقافي). ذلك هو
التقييم الذي تراءى للأستاذ إبراهيم مناسبا للمناسبة، إن تمكننا من نقله بأمانة،
أو بنسب مرتفعة. وفي الموقف جرأة ووصف للظاهرة، وكلنا متفق أن القاضي عالم
سوسيولوجي إن كان دقيق الملاحظة وذا رأي ثاقب، وكفاءة في الرصد.
وفي اختتام الندوة، وبعد وقفة شاي،
حصل تسجيل عشر توصيات، دعيت السيدة عائشة مروي لتلاوتها:
-
إلزامية تضمين عقود الزواج، اتفاق
الزوجين على اقتسام الأموال المشتركة.
-
(ضرورة تحديد السن الأدنى لزواج القاصر)، هذه
التوصية ضرورية لاستفحال الظاهرة بجبال الأطلس الكبير الشرقي.
-
ضرورة العمل على سد المجال لأي ثغرة
قانونية يمكن توظيفها للتحايل على مقتضيات مدونة الأسرة.
-
(استحضار المقاربة الحقوقية والمعاهدات
والمواثيق الدولية أثناء مراجعة مدونة الأسرة)، لهذه التوصية علاقة بإحدى
المداخلات أثناء النقاش، أي: مدى احترام سمو المواثيق الدولية على القوانين
الوطنية. ويمكن لهذا التوصية أن تضع حدا لجدلية الخصوصي والكوني.
-
احترام الآجال المقيدة للبت في
دعاوى قضايا التطليق.
-
ضرورة تفعيل الوساطة الأسرية وإسنادها
للمختصين بهذا المجال.
-
ضرورة توفير مجالات وفضاءات لإنجاح
مسطرة التطليق
-
ضرورة التنصيص على مقتضيات زجرية يعاقب
بمقتضاها كل من خالف مقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة.
-
تكثيف الحملات التحسيسية على
مستوى كافة وسائل الإعلام لهدف توعية
المواطنين وإشعارهم بضرورة توثيق العلاقات الزوجية غير الموثقة.
-
تفعيل دور مجلس العائلة في جلسات
الصلح.
وإذا تمعنا في التوصيات نجد أنها مؤسس
مضمونها على ما ورد في المداخلات والمناقشة، لكن هناك توصيات، يتوجب إضافتها من
ذلك مثلا:
-
تثمين النشاط، ندوة >>وقفات مع مدونة الأسرة بعد 15 سنة <<، ودعوة موظفي مركز القاضي المقيم على احترام
هذه السن بتنشيط ندوات ذات صلة بإشكالات محيط المركز أن تدور حول الأحوال الشخصية
والجرائم المؤسسة على ثقافة الوسط.
-
إشراك المجتمع المدني النشيط في مناقشة
القضايا التي تستفحل وتطفو على سطح الدائرة القضائية لمركزية الريش.
-
البث الواسع للندوة أن كانت غنية
بالمضامين العلمية والواقعية.
-
البحث عن شركاء آخرين للمساهمة في
الحملات الإعلامية درءا لبعض الانحرافات التي تثقل كاهل المجتمع.
-
تجسيد الظواهر الملاحظة
إحصائيا ليسهل استثمارها علميا.
لحسن ايت الفقيه