samedi 23 mars 2019

زواج القاصرات نزيف يؤرق عمل القضاء بمركز الريش بجبال الأطلس الكبير الشرقي



جميل أن ينفتح القضاء على المجتمع المدني، وأن ينفعل مع قضايا الوسط التي تؤرقه، وتلك بداية حسنة لجعل المؤسسة جسما مرغوبا فيه، في الأوساط المغلقة. حصل بمركزية الريش >>مركز القاضي المقيم<<، وهي مؤسسة أسند لها امتداد سكني واسع، يكاد أن يغشى كل بساط جبال الأطلس الكبير الشرقي، انفتاح لا مثيل له، من قبل. وإن  في هذه الدائرة القضائية أوساطا اجتماعية، غير مستعدة، في الحال، للامتثال إلى المؤسسية والحداثة. ولا عيب في ذلك، فهي أوساط محمولة لتنزح، كرها، نحو الانغلاق، مادامت تعاني من تخلف التنمية. 




وفوق ذلك، فالبساط المذكور كان جلب اهتمام هيئة الإنصاف والمصالحة، سنة 2004، إذ كان مطوقا بمواقع الانتهاك، موقع تازمامارت غير البعيد عن مركز والريش، وموقع السونتات بجهة الغرب، وموقع أملاكو، بكاف معطشة، بالجنوب الغربي. ولئن كان هذا المثلث لم يظهر، في خريطة جبر الأضرار الجماعية، ممثلا كارتوغرافيا، فيكفي مؤسسة الاتحاد الأوروبي أن ميزت محيط معتقل تازمامارت بسمة، لا يرقى إليها الشك، مفادها أن للانتهاك صلة مباشرة بتخلف التنمية. والسؤال الذي يطرح نفسه، وذاك قطب الراحة في هذه المقالة الموجزة، كيف يجتهد القضاء في معالجة إشكاليات الوسط؟ وبالمقابل، كيف يتفاعل الوسط ومدونة الأحوال الشخصية المغربية؟
وقف الأستاذ إبراهيم موعشى ليقيم >>وقفات مع مدونة الأسرة بعد 15 سنة<<، هذه الوقفات ليست إلا أربع مداخلات ضمن ندوة احتضنها بساط القضاء بالريش مساء يوم الجمعة 22 من شهر مارس من العام 2019، نورد بيانها بإيجاز كالتالي:
-        مداخلة "التطليق للشقاق بين النصوص الموضوعية والنصوص الإجرائية" للأستاذ محمد فارس نائب وكيل الملك بمركز القاضي المقيم بالريش، تلاها في ظرف 17 دقيقة.
-        مداخلة "بعض الإشكاليات العلمية في تطبيق مدونة الأسرة" تلاها الأستاذ محمد فلاح محام بهيئة مكناس، في 19 دقيقة.
-        مداخلة "تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين في إطار المادة 49 من مدونة الأسرة" للأستاذ أحمد العرفاوي عدل بالمجلس الجهوي لعدول محكمة الاستئناف بالرشيدية مكتب الريش، ألقاها في أوان 19 دقيقة.
-        مداخلة "سماع دعوى الزوجية بين شروط الإلغاء ودواعي الإبقاء" استغرق إلقاؤها 17 دقيقة وانقطع لبسطها الأستاذ عبد العالي حوماني منتدب قضائي من الدرجة الأولى بمركز القاضي المقيم بالريش.
أقول وقف الأستاذ إبراهيم موعشى، إن هو إلا المسؤول الأول عن القضاء بجنوبي إقليم ميدلت، المسؤول الذي ود أن ينفعل، بعد دوام الفعل والآداء، بتعليق فصيح وجريء، لينظر من علُ، من مركز منفتح، على وسط تطغى عليه الشفاهية، ويجري فيه النزوح نحو إعمال العرف، والتشبث بالقيم التقليدية القديمة، والحفاظ على البنيات والأنساق القديمة...  وقف، وكل واقف، هنا، قد يرمق طرفه الكثير من الأهوال، أهمها التوتر الذي يحصل بين الثقافي والحقوقي، إذا سلمنا أن مدونة الأسرة المغربية، بما هي وجه، يمكن القول جوازا، إنه حديث، وجه يستنشق نسيم حقوق الإنسان، دون أن نعمق النقاش فيما إذا نجحت المدونة الجديدة تحقيق القطيعة على مدونة الأحوال الشخصية التقليدية. وحسبنا التوتر الذي ظل قائما  بعد أن  فرض زواج القاصرات نفسه، لأن الثقافي، كدأبه، يلتهم الحقوقي، كلما اصطدم معه في بساط ما، كنحو جبال الأطلس الكبير الشرقي. وقف الأستاذ إبراهيم ليكسر الجدار الصلب بضربتين: أولاهما تنظيم الندوة، هي الأولى من نوعها، بقلب جبال الأطلس الكبير الشرقي سمتها >> وقفات مع مدونة الأسرة بعد 15 سنة<<، وهي امتداد عملي للانفتاح الذي أصبح يعرفه القضاء بجهة درعة تافيلالت. وثانيهما الإفصاح عن جرأة القضاء في التعاطي مع قضايا، يبدو أنها تزيغ كل الزيغ عن الحداثة، وتتصل بزواج القاصرات وإن شئت قضايا الأسرة بالأطلس الكبير الشرقي. لقد (أثيرَ التساؤل حول موضوع زواج القاصرات) تعليقا على الندوة. و(في الحقيقة إنه موضوع يؤرقنا بشكل يومي، وترد علينا طلبات الزواج بشكل دؤوب، وخاصة في فترة الصيف. والإشكال المطروح، لدينا نحن الممارسون [بدل مرفوع] والمهتمون يكمن في توقيف هذا النزيف. فالأصل أن تلفى الفتى والفتاة دون سن الثامنة عشر في المدرسة)، ومعنى ذلك، أن الظاهرة تتصل بالهذر المدرسي. (وكيفما كان الأمر تظل الظاهرة مستفحلة. ولدي مقاربة شخصية أعمدها لمعالجة الظاهرة. إني أبحث عن المستوى الدراسي للفتى والفتاة، إذ هما أمام باب القاضي يرفعان طلب الإذن بالزواج. وكلما بحثت في المستوى الدراسي لهؤلاء ألفى أنه يقل عن المستوى الثانوي إعدادي، والأغلبية الساحقة يقل مستواها عن السادسة ابتدائي). و (أما سبب عزوف هؤلاء عن الدراسة فيبقى بنيويا وفكريا وأسريا)، وقد يتصل (ببنية مجتمع الريش ونواحيها....)، وتعد (منطقة إملشيل بؤرة لهذا النوع من الزواج). لقد ساد (مجتمع ذكوري) بالمنطقة. وأفصح أن (مجموعة من الآباء يشبهون البنت، وهم يبررون طلب تزويج القاصر، أنها جمرة يتوجب إخمادها، أي: سيزوجها في الحال، وعلى وجه السرعة. وإني أتواصل معهم) بالأمازيغية (اللغة التي يعرفونها)، وتلك شهادة على إعمال الحقوق الثقافية، (إذ القاصر يجب أن يلفى مكانه (ها) في المدرسة. وللأسف، فالكل ينعت القضاء أنه هو المسؤول الوحيد عن تزويج القاصرات. وإني أنفي هذه المسألة نفيا قاطعا وأعرب أن هذه الظاهرة تعقدًّها، تتضافر فيها مجموعة من العوامل، منها ما هو اجتماعي واقتصادي وثقافي). ذلك هو التقييم الذي تراءى للأستاذ إبراهيم مناسبا للمناسبة، إن تمكننا من نقله بأمانة، أو بنسب مرتفعة. وفي الموقف جرأة ووصف للظاهرة، وكلنا متفق أن القاضي عالم سوسيولوجي إن كان دقيق الملاحظة وذا رأي ثاقب، وكفاءة في الرصد.
وفي اختتام الندوة، وبعد وقفة شاي، حصل تسجيل عشر توصيات، دعيت السيدة عائشة مروي لتلاوتها:
-        إلزامية تضمين عقود الزواج، اتفاق الزوجين على اقتسام الأموال المشتركة.
-        (ضرورة تحديد السن الأدنى لزواج القاصر)، هذه التوصية ضرورية لاستفحال الظاهرة بجبال الأطلس الكبير الشرقي.
-        ضرورة العمل على سد المجال لأي ثغرة قانونية يمكن توظيفها للتحايل على مقتضيات مدونة الأسرة.
-        (استحضار المقاربة الحقوقية والمعاهدات والمواثيق الدولية أثناء مراجعة مدونة الأسرة)، لهذه التوصية علاقة بإحدى المداخلات أثناء النقاش، أي: مدى احترام سمو المواثيق الدولية على القوانين الوطنية. ويمكن لهذا التوصية أن تضع حدا لجدلية الخصوصي والكوني.
-        احترام الآجال المقيدة للبت في دعاوى  قضايا التطليق.
-        ضرورة تفعيل الوساطة الأسرية وإسنادها للمختصين بهذا المجال.
-        ضرورة توفير مجالات وفضاءات لإنجاح مسطرة التطليق
-        ضرورة التنصيص على مقتضيات زجرية يعاقب بمقتضاها كل من خالف مقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة.
-        تكثيف الحملات التحسيسية على مستوى  كافة وسائل الإعلام لهدف توعية المواطنين وإشعارهم بضرورة توثيق العلاقات الزوجية غير الموثقة.
-        تفعيل دور مجلس العائلة في جلسات الصلح.
وإذا تمعنا في التوصيات نجد أنها مؤسس مضمونها على ما ورد في المداخلات والمناقشة، لكن هناك توصيات، يتوجب إضافتها من ذلك مثلا:
-        تثمين النشاط، ندوة >>وقفات مع مدونة الأسرة بعد 15 سنة <<، ودعوة موظفي مركز القاضي المقيم على احترام هذه السن بتنشيط ندوات ذات صلة بإشكالات محيط المركز أن تدور حول الأحوال الشخصية والجرائم المؤسسة على ثقافة الوسط.
-        إشراك المجتمع المدني النشيط في مناقشة القضايا التي تستفحل وتطفو على سطح الدائرة القضائية لمركزية الريش.
-        البث الواسع للندوة أن كانت غنية بالمضامين العلمية والواقعية.
-        البحث عن شركاء آخرين للمساهمة في الحملات الإعلامية درءا لبعض الانحرافات التي تثقل كاهل المجتمع.
-         تجسيد الظواهر الملاحظة إحصائيا ليسهل استثمارها علميا.
لحسن ايت الفقيه


lundi 4 mars 2019

البحث التشاركي ودوره في التنمية القروية بحوض زيز





سلف أن أنجزت هذا المقال في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، ولأنه لم ينشر حسُن تعديله قليلا ليتلاءم والظرف وبثه ليتسفيد منه ذوو الفضول المعرفي. وأحب أن أزينه بصورة لجلسة تفكير وتشاور جمعت ثلة من المهتمين بقلعة مكون يوم السبت 7 من شهر يوليوز من العام 2018، مع « ثلة من الناس رجالا ونساء لا أعتقد أنها ستتجدد، في المستقبل. اجتمعنا بقلعة امكونة، يوم السبت 07 من شهر يوليوز الجاريْ ومعنا سيدتان (مبتدأ مؤخر مرفوع بالألف) جامعيتان، كلتاهما تحمل (حُمل الفعل على اللفظ، هنا) جنسية أمريكية، وكلتاهما تنتمي لحقل (اللام هنا بمعنى إلى) السوسيولوجيا، وكلتاهما أستاذ كرسي (مذكر بالغلبة). وكل أفراد المجموعة وجه سوسيولجي، إن بالمعرفة العالمة أو بالتجربة الميدانية المتواصلة، وكلهم يعمل وفق المقاربة التشاركية ويبحث في التشاركية. كيف بدت لي الورشة التفكيرية؟ بدا لي الوضع أننا حينما نعمق التأمل في محيطنا نعتقد أننا وحدنا من يجتهد، لكن حين ننظر إلى العالم تتضح الصورة أن لسنا وحدنا من يبكي». وأما نص المقال فهو كالتالي:
يتعذر الحديث عن المشاريع التنموية التي تنجزها الجمعيات دون استحضار المقاربة التشاركية l’approche participative باللغة الفرنسية. وفي الوسط القروي خصوصا يتوقف نجاح المشروع، في غالب الأحيان، على فعالية هذه المقاربة. فما المقصود بالتشاركية؟ وما هي الأسس التي تعتمد عليها؟
1-التشاركية: الأسس المفهوم
        المقصود بالتشاركية مساهمة جميع الأطراف في دراسة مشروع من المشاريع وإنجازه وإنجاحه وتتبعه. والأطراف، في الغالب، هم الأشخاص الطبيعيون والمعنويون، المتطوعون كنحو الأفراد أو المؤسسات. أما المشروع فقد « ازدهر في نطاق الفكر الفلسفي والفكر الوجودي على وجه الخصوص... قبل أن ينتقل إلى عالم الاقتصاد والمعاملات التجارية والمقاولات ومنها إلى مجالات أخرى مثل التربية »(1). وكل مشروع للمؤسسة في حاجة إلى مقاربة تشاركية.
        ظهرت هذه المقاربة في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضي لأجل المساهمة في تقوية سلطة المشاركين ونموها ودعم الإستثمار (2). والمقاربة التشاركية أداة للعمل، وليست مذهبا من المذاهب أو تصورا في التنمية، تعتمد على تقنيات مختلفة طورتها بعض المنظمات التي ساهمت في البحث التشاركي منها مثلا:
- معهد التنمية عبر البحار ( لندن ) ODI
- المعهد الدولي للبيئة والتنمية IIED
- الأنظمة المندمجة للتنميةIDS
- معهد الموارد العالمية ( واشنطن )  WRI (3)
2- ظهور التشاركية في المغرب
        لم يكن التشارك غريبا عن الثقافة الشعبية الزراعية المغربية على وجه الخصوص. ولولا حضور التشارك، بما هي مفهوم وممارسة، لما صمدت أنظمة الري التقليدية بالجنوب المغربي باعتبارها تعتمد على تشييد السدود « أوكوك UGUG  » بالأمازيغية،  وحفر القنوات والتوزيع المتكافئ للماء بحسب الملكية. ولولا التشارك لما صمدت أبراج القرى الزراعية المحصنة. وباختصار، فالمساهمة في الحفاظ على نظام الري والدفاع الذاتي المشترك من المشاريع التقليدية التي تهدف إلى ضمان البقاء للفرد والجماعة، وتعتمد على الهندسة والتخطيط والعقلنة.
        ولما كان المغرب بلدا يستقبل التجارب ظهرت التشاركية في وقت مبكر حيث صاحبت ظهور مشاريع الماء الصالح للشرب بالوسط القروي (4) في إطار برنامج (باجيرPAGER ). وتهدف المقاربة التشاركية في إطار هذا المشروع إلى إقناع السكان المحليين  LA POPULATION LOCALE بالمشاركة في إنجاز المشروع بنسبة 5% من تكلفته وتأسيس جمعية لتسييره والسهر على صيانته.
3- تجربة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية
        تشتغل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID (5) في أربع قطاعات: الصحة، والتربية، والبيئة، والنمو الإقتصادي (6) وفي مجال التربية سلف أن تدخلت الوكالة الأمريكية في خمسة أقاليم مغربية: الحسيمة، والرشيدية، والصويرة، وورزازات، سيدي قاسم(7) بواسطة عدة مشاريع بيانها على سبيل المثال كالتالي:
- مشروع ميكMEG  أو مشروع تمدرس الفتاة بالمغرب (8)
- العمل حول التنمية TFD  وهو مشروع سابق للميك ساهم في انطلاقة الأنشطة في المدارس المحتضنة للتجربة (9) في سنة 1996 وذلك بخلق فرص للتكوين في مجموعة من المجالات ذات الإرتباط بالتعليم بالوسط القروي، أقسام مشتركة، تكييف البرامج، التنشيط، انتهى المشروع في سنة 1999.
- أنشطة تربية للفتاة (GEA) 1996-2001 (10)
        ويعد مشروع ميك MEG أهم مشاريع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية يعتمد على المقاربة التشاركية حيث جعلت السكان طرفا مفاوضا ومساهما ومدافعا عن المدرسة، طرفا منظما في جمعيات ذات علاقة بالمدرسة (11) ولقد ساهم ميك MEG  في تطوير الأداء العام للمدرسة وجعلها أكثر جاذبية للفتاة. لكن المشروع تضرر كثيرا مما يسمى في البحث التشاركي بانحراف الوسطle biais spacial (12) ولنأخذ إقليم الرشيدية على سبيل المثال بما هو واحد من مجالات الممارسة التي غشيها المشروع. لقد جرى اختيار جماعة كرس تيعلالين بإقليم الرشيدية، وقتها، بفعل قربها من الطريق الوطنية رقم 13 فوق أن الجماعة نفسها أغنى جماعة بالقسم الجبلي من إقليم الرشيدية. ومعنى ذلك أن الوسط يتضمن قبل التجربة عوامل نجاح أي  مشروع يهدف إلى معالجة بعض القضايا في التعليم، تمدرس الفتاة، والأقسام المشتركة، وتأسيس الجمعيات. ونضيف أن فشل المقاربة التشاركية في هذا الوسط أمر مستبعد للغاية بفعل العوامل السابقة الذكر.
4- البحث التشاركي وأهميته في تنمية الوسط القروي
        يتوقف نجاح المقارية التشاركية على البحث التشاركي الذي يهيئ لها الأرضية. وينطلق البحث من تشكيل فريق للبحث l’équipe de recherche يشترط فيه بعض الخصائص كأن يضم الجنسين ( ذكور، إناث) (13) لتسهيل التواصل في المجتمعات المنغلقة أو التي لا تترك للمرأة هامشا من الحرية، ومن المفيد أن يشمل متخصصين في العلوم الاجتماعية، الاقتصاد، والأنثربولوجيا، والإثنوغرافيا، والزراعة،  والنباتات، والتربة.
ينظم الفريق عمله كالتالي:
- تحديد المعلومات المراد جمعها.
- تحديد الأهداف.
- فهم الجماعة التي يتضمنها مجال الممارسة.
- تحديد المواقع بدقة.
- الاعتماد على البحث الميداني.
        وإلى جانب الفريق،  كان لا بد من تحديد مجال الممارسة، أي: الوسط الطبيعي أو الاجتماعي الذي أريد منه أن يحتضن المشروع. ولما كان مجال الممارسة، في الغالب، بكرا منغلقا على نفسه فإنه من المفيد البحث عن وسيلة لاختراق الوسط لتسهيل التواصل، طرح الأسئلة، المناقشة، الملاحظة... وفوق ذلك، لابد من توفير خرائط طوبوغرافية أو كادسترالية تحدد مجال الممارسة وتضمن العناصر المراد استثمارها، وبعد ذلك، لا بد من كسب ثقة الجماعة المراد التعامل معها في إطار المشروع.
        وإلى جانب الفريق والمجال، يستدعي البحث التشاركي اعتماد الوسائل اللائقة والطرق الناجحة لتحقيق المراد مثلا:
- المقارنة بين الخطاب المصرح والملاحظة  الميدانية لاستخلاص الحقيقة.
- توظيف الترسيمات والمقابلات والنماذج الإرشادية PARADIGMES.
- الاحتكاك بالناطق الجديدGOOD SPEAKER : المقدم، وشيخ المزرعة، وعضو الجماعة السلالية، وشاعر، وقاضي الجماعة القروية.
- التصنيف والتقييم والاستثمار.
- استغلال المعطيات الثانوية لاكتشاف المسكوت عنه أو الجزيئات المفيدة للمشروع.
5-التشاركية  منهج البحث
        يقوم فريق البحث قبل نزوله الميدان بإعداد خطة العمل تحتوي على الغلاف  الزماني المحدد لكل عملية أو إجراء، فضلا عن فترات التقييم والتعديل. وفي نهاية المطاف يقوم الفريق بتقييم إجمالي لتركيب النتائجsynthése des resultats  .
        يعتمد فريق العمل منهجا يقوم على الدراسات السطحية أو الأفقية في إطار هدف البحث، ثم بعد ذلك يقوم بدراسة معمقة لعنصر معين، وإن شئت يقوم بالدراسة العمودية،
مثال : مشكل الماء الشروب.
- الدراسة الأفقية: مسح عام لموارد الماء بمجال الممارسة.
- الدراسة العمودية: التركيز على العيون المراد استغلالها من حيث موقعها وكمية الماء بها ووضعها العرفي.
        تمر التشاركية بطورين: طور الأهداف وطور النتائج. وكل طور يحوي أربعة مراحل: المرحلة الإكتشافية، مرحلة تحديد المحور، مرحلة التقييم، مرحلة التخطيط التشاركي (14).
        وختاما، لئن كان نجاح المقاربة التشاركية يتوقف أحيانا على البحث التشاركي فإن كثيرا من المشاريع ولدت في مكاتب السلطة المحلية والمرافق العمومية بعيدا عن الميدان. ومرد ذلك إلى تأثير سنوات الرصاص على المجال الترابي. ومعنى ذلك أن كثيرا من الأوساط العمرانية في حاجة إلى جبر الضرر الترابي قبل تشيحها لاحتضان مشاريع تنموية.
        صحيح أن بعض التجارب أظهرت استقلالها النسبي لكنها قلما تؤسس مشروعها على البحث التشاركي. ومما لا شك فيه أن البحث التشاركي سيساهم لا محالة في تشخيص الوضع في مجالات التدخل ، الصحة، والتعليم، والزراعة، والماء، وإن تشخيص الوضع مقدمة للبحث عن الحلول.
                                                                                لحسن أيت الفقيه
الهوامش:
(1) محمد الدريج - مشروع المؤسسة، الجزء الثاني، دفاتر في التربية 2 - ديسمبر 1996، منشورات رمسيس ص 5.
(2)-Estbern friis - hansen and bhuwon sthapit participaty approaches to conservation and use of plant genetic resources - IPGRI Rome Italy 2000 p 16                                                 
(3)ODI: OVERSEAS DEVELOPMENT INSTITUTE
IDED: INTERNATIONAL INSTITUTE FOR ENVIRONEMENT                                         
IDS: INTERGRATED DEVELOPMENT SYSTEMS                                                              
WRI: WORLD RESOURCE INSTITUTE  U.S.A                                                                   
(4) تعتمد الجمعيات المشرفة على مشاريع الماء الصالح للشرب في إطار مشروع " باجير P.A.G.E.R" على المقاربة التشاركية.
(5)USAID: UNITED.STATES. AGENCY. INTERNATIONAL.DEVELOPMENT              
(6) انظر مطبوع موزع على المستفيدين من التكوين في إطار مشروع "ميك MEG" بجماعة كرس تعلالين، إقليم الرشيدية عنوانه:VUE D’ENSEMBLE DES PROJETS DE L’USAID AU MAROC EN EDUCATION, ET PLUS PARTICULIEREMENT DU PROJET  M.E.G            
(7) نفس الوثيقة ص 2
(8)MEG :  MOROCCO EDUCATION FOR GIRLS
)9) TFD : TRAINING FOR DEVELOPMENT
(10)GEA: GIRLS EDUCATION ACTIVITY
(11) تأسست جمعيات تسمى " جمعيات آباء وأولياء التلاميذ وأصدقاء المدرسة" للانخراط الواسع للسكان المحليين بجماعة كرس تعلالين فيها لتتبع شأن المدرسة.
(12)BARA GUEYE ET KAREN SCHOONMAKER FREUDENBERGER- INTRODUCTION A LA METHODE ACCELEREE DE RECHERCHE PARTICIPATIVE   
                                              (MARP), DEUXIEME EDITION AOUT 1991 P 17
(13)BARA GUEYE OP- CIT P 16                                                                                         
(14) OP-CIT  P 7                                                   

مساهمة لائقة لدراسة النظم العرفية بالأطلس الكبير الشرقي







ثبت أن فرنسا حاولت إعطاء المضمون الحداثي للمؤسسات العرفية يوم فرضت الحماية على المغرب. وقد سلف أن فصلت القول في وثيقة حول زاوية القنادسة التي احتل العقيد ليوطي  مجالها المعمر إلى جانب واحة التوات في سنة 1900 على وجه التقدير، وهي عبارة عن رسالة كان وجهها ناظر الزاوية هناك إلى نظيره بالزاوية الهوارية بتينجداد، وقلت إن فرنسا تروم إعطاء المؤسسات العرفية مضمونا حداثيا. صحيح أن المؤسسات الطرقية تنحو إلى الديني لكن جانبها الدنيوي منبلج في مواردها ومصاريفها. ويعنينا أن كل ما يتصل بالجانب الدنيوي يركن إلى الضوابط المادية ويستحضر الملموس.
مكنني أحد الأصدقاء من الاطلاع على وثيقة مهمة تستغرق 30 صفحة مخطوطة، حول تنظيم الزاوية الوكيلية الاقتصادي ولدي وثائق حول الماء وتنظيم الرعي فضلا عن بعض المخطوطات حول البيع والشراء والديون. ويبدو أن الوقت قد حان للوقوف عند النظم العرفية بالأطلس الكبير الشرقي، وقد ترقى الدراسة لتنشر في كتاب.
لحسن ايت الفقيه