سلف أن أنجزت هذا المقال في
نهاية التسعينيات من القرن الماضي، ولأنه لم ينشر حسُن تعديله قليلا ليتلاءم
والظرف وبثه ليتسفيد منه ذوو الفضول المعرفي. وأحب أن أزينه بصورة لجلسة تفكير
وتشاور جمعت ثلة من المهتمين بقلعة مكون يوم السبت 7 من شهر يوليوز من العام 2018،
مع « ثلة من الناس رجالا ونساء لا أعتقد أنها ستتجدد، في المستقبل. اجتمعنا بقلعة
امكونة، يوم السبت 07 من شهر يوليوز الجاريْ ومعنا سيدتان (مبتدأ مؤخر مرفوع
بالألف) جامعيتان، كلتاهما تحمل (حُمل الفعل على اللفظ، هنا) جنسية أمريكية،
وكلتاهما تنتمي لحقل (اللام هنا بمعنى إلى) السوسيولوجيا،
وكلتاهما أستاذ كرسي (مذكر بالغلبة). وكل أفراد المجموعة وجه سوسيولجي، إن
بالمعرفة العالمة أو بالتجربة الميدانية المتواصلة، وكلهم يعمل وفق المقاربة
التشاركية ويبحث في التشاركية. كيف بدت لي الورشة التفكيرية؟ بدا لي الوضع أننا
حينما نعمق التأمل في محيطنا نعتقد أننا وحدنا من يجتهد، لكن حين ننظر إلى العالم
تتضح الصورة أن لسنا وحدنا من يبكي». وأما نص المقال فهو كالتالي:
يتعذر الحديث عن
المشاريع التنموية التي تنجزها الجمعيات دون استحضار المقاربة التشاركية l’approche participative باللغة الفرنسية. وفي الوسط القروي خصوصا يتوقف
نجاح المشروع، في غالب الأحيان، على فعالية هذه المقاربة. فما المقصود بالتشاركية؟
وما هي الأسس التي تعتمد عليها؟
1-التشاركية: الأسس المفهوم
المقصود بالتشاركية مساهمة جميع الأطراف في دراسة مشروع من
المشاريع وإنجازه وإنجاحه وتتبعه. والأطراف، في الغالب، هم الأشخاص الطبيعيون والمعنويون،
المتطوعون كنحو الأفراد أو المؤسسات. أما المشروع فقد « ازدهر في نطاق الفكر
الفلسفي والفكر الوجودي على وجه الخصوص... قبل أن ينتقل إلى عالم الاقتصاد
والمعاملات التجارية والمقاولات ومنها إلى مجالات أخرى مثل التربية »(1).
وكل مشروع للمؤسسة في حاجة إلى مقاربة تشاركية.
ظهرت هذه المقاربة في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من
القرن الماضي لأجل المساهمة في تقوية سلطة المشاركين ونموها ودعم الإستثمار
(2). والمقاربة التشاركية أداة للعمل، وليست مذهبا من المذاهب أو تصورا في
التنمية، تعتمد على تقنيات مختلفة طورتها بعض المنظمات التي ساهمت في البحث
التشاركي منها مثلا:
- معهد التنمية عبر البحار (
لندن ) ODI
- المعهد الدولي للبيئة
والتنمية IIED
- الأنظمة المندمجة للتنميةIDS
- معهد الموارد العالمية (
واشنطن ) WRI (3)
2- ظهور التشاركية
في المغرب
لم يكن التشارك غريبا عن الثقافة الشعبية الزراعية المغربية على
وجه الخصوص. ولولا حضور التشارك، بما هي مفهوم وممارسة، لما صمدت أنظمة الري
التقليدية بالجنوب المغربي باعتبارها تعتمد على تشييد السدود « أوكوك UGUG » بالأمازيغية، وحفر القنوات والتوزيع المتكافئ للماء بحسب
الملكية. ولولا التشارك لما صمدت أبراج القرى الزراعية المحصنة. وباختصار، فالمساهمة
في الحفاظ على نظام الري والدفاع الذاتي المشترك من المشاريع التقليدية التي تهدف
إلى ضمان البقاء للفرد والجماعة، وتعتمد على الهندسة والتخطيط والعقلنة.
ولما كان المغرب بلدا يستقبل التجارب ظهرت التشاركية في وقت
مبكر حيث صاحبت ظهور مشاريع الماء الصالح للشرب بالوسط القروي (4) في
إطار برنامج (باجيرPAGER ). وتهدف المقاربة التشاركية في إطار هذا المشروع
إلى إقناع السكان المحليين LA POPULATION LOCALE بالمشاركة في إنجاز المشروع بنسبة 5% من تكلفته وتأسيس جمعية لتسييره والسهر على صيانته.
3- تجربة الوكالة
الأمريكية للتنمية الدولية
تشتغل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID (5) في أربع قطاعات: الصحة، والتربية، والبيئة،
والنمو الإقتصادي (6) وفي مجال التربية سلف أن تدخلت الوكالة الأمريكية
في خمسة أقاليم مغربية: الحسيمة، والرشيدية، والصويرة، وورزازات، سيدي قاسم(7)
بواسطة عدة مشاريع بيانها على سبيل المثال كالتالي:
- مشروع ميكMEG أو مشروع تمدرس الفتاة بالمغرب (8)
- العمل حول التنمية
TFD وهو مشروع سابق للميك ساهم في انطلاقة الأنشطة
في المدارس المحتضنة للتجربة (9) في سنة 1996 وذلك بخلق فرص للتكوين في
مجموعة من المجالات ذات الإرتباط بالتعليم بالوسط القروي، أقسام مشتركة، تكييف
البرامج، التنشيط، انتهى المشروع في سنة 1999.
- أنشطة تربية للفتاة (GEA)
1996-2001 (10)
ويعد مشروع ميك MEG أهم مشاريع الوكالة الأمريكية
للتنمية الدولية يعتمد على المقاربة التشاركية حيث جعلت السكان طرفا مفاوضا ومساهما
ومدافعا عن المدرسة، طرفا منظما في جمعيات ذات علاقة بالمدرسة (11)
ولقد ساهم ميك MEG في تطوير
الأداء العام للمدرسة وجعلها أكثر جاذبية للفتاة. لكن المشروع تضرر كثيرا مما يسمى
في البحث التشاركي بانحراف الوسطle biais spacial (12) ولنأخذ إقليم
الرشيدية على سبيل المثال بما هو واحد من مجالات الممارسة التي غشيها المشروع. لقد
جرى اختيار جماعة كرس تيعلالين بإقليم الرشيدية، وقتها، بفعل قربها من الطريق
الوطنية رقم 13 فوق أن الجماعة نفسها أغنى جماعة بالقسم الجبلي من إقليم الرشيدية.
ومعنى ذلك أن الوسط يتضمن قبل التجربة عوامل نجاح أي مشروع يهدف إلى معالجة بعض القضايا في التعليم،
تمدرس الفتاة، والأقسام المشتركة، وتأسيس الجمعيات. ونضيف أن فشل المقاربة
التشاركية في هذا الوسط أمر مستبعد للغاية بفعل العوامل السابقة الذكر.
4- البحث التشاركي
وأهميته في تنمية الوسط القروي
يتوقف نجاح المقارية التشاركية على البحث التشاركي الذي يهيئ
لها الأرضية. وينطلق البحث من تشكيل فريق للبحث l’équipe de recherche
يشترط فيه بعض الخصائص كأن يضم الجنسين ( ذكور، إناث) (13) لتسهيل
التواصل في المجتمعات المنغلقة أو التي لا تترك للمرأة هامشا من الحرية، ومن
المفيد أن يشمل متخصصين في العلوم الاجتماعية، الاقتصاد، والأنثربولوجيا، والإثنوغرافيا،
والزراعة، والنباتات، والتربة.
ينظم الفريق عمله كالتالي:
- تحديد المعلومات المراد
جمعها.
- تحديد الأهداف.
- فهم الجماعة التي يتضمنها
مجال الممارسة.
- تحديد المواقع بدقة.
- الاعتماد على البحث
الميداني.
وإلى جانب الفريق، كان لا
بد من تحديد مجال الممارسة، أي: الوسط الطبيعي أو الاجتماعي الذي أريد منه أن
يحتضن المشروع. ولما كان مجال الممارسة، في الغالب، بكرا منغلقا على نفسه فإنه من
المفيد البحث عن وسيلة لاختراق الوسط لتسهيل التواصل، طرح الأسئلة، المناقشة،
الملاحظة... وفوق ذلك، لابد من توفير خرائط طوبوغرافية أو كادسترالية تحدد مجال
الممارسة وتضمن العناصر المراد استثمارها، وبعد ذلك، لا بد من كسب ثقة الجماعة
المراد التعامل معها في إطار المشروع.
وإلى جانب الفريق والمجال، يستدعي البحث التشاركي اعتماد
الوسائل اللائقة والطرق الناجحة لتحقيق المراد مثلا:
- المقارنة بين الخطاب المصرح
والملاحظة الميدانية لاستخلاص الحقيقة.
- توظيف الترسيمات والمقابلات
والنماذج الإرشادية PARADIGMES.
- الاحتكاك بالناطق الجديدGOOD SPEAKER :
المقدم، وشيخ المزرعة، وعضو الجماعة السلالية، وشاعر، وقاضي الجماعة القروية.
- التصنيف والتقييم
والاستثمار.
- استغلال المعطيات الثانوية
لاكتشاف المسكوت عنه أو الجزيئات المفيدة للمشروع.
5-التشاركية منهج البحث
يقوم فريق البحث قبل نزوله الميدان بإعداد خطة العمل تحتوي على
الغلاف الزماني المحدد لكل عملية أو إجراء،
فضلا عن فترات التقييم والتعديل. وفي نهاية المطاف يقوم الفريق بتقييم إجمالي
لتركيب النتائجsynthése
des resultats .
يعتمد فريق العمل منهجا يقوم على الدراسات السطحية أو الأفقية
في إطار هدف البحث، ثم بعد ذلك يقوم بدراسة معمقة لعنصر معين، وإن شئت يقوم
بالدراسة العمودية،
مثال : مشكل الماء الشروب.
- الدراسة الأفقية: مسح عام
لموارد الماء بمجال الممارسة.
- الدراسة العمودية: التركيز
على العيون المراد استغلالها من حيث موقعها وكمية الماء بها ووضعها العرفي.
تمر التشاركية بطورين: طور الأهداف وطور النتائج. وكل طور يحوي
أربعة مراحل: المرحلة الإكتشافية، مرحلة تحديد المحور، مرحلة التقييم، مرحلة
التخطيط التشاركي (14).
وختاما، لئن كان نجاح المقاربة التشاركية يتوقف أحيانا على
البحث التشاركي فإن كثيرا من المشاريع ولدت في مكاتب السلطة المحلية والمرافق
العمومية بعيدا عن الميدان. ومرد ذلك إلى تأثير سنوات الرصاص على المجال الترابي. ومعنى
ذلك أن كثيرا من الأوساط العمرانية في حاجة إلى جبر الضرر الترابي قبل تشيحها
لاحتضان مشاريع تنموية.
صحيح أن بعض التجارب أظهرت استقلالها النسبي لكنها قلما تؤسس
مشروعها على البحث التشاركي. ومما لا شك فيه أن البحث التشاركي سيساهم لا محالة في
تشخيص الوضع في مجالات التدخل ، الصحة، والتعليم، والزراعة، والماء، وإن تشخيص
الوضع مقدمة للبحث عن الحلول.
لحسن
أيت الفقيه
الهوامش:
(1) محمد الدريج - مشروع
المؤسسة، الجزء الثاني، دفاتر في التربية 2 - ديسمبر 1996، منشورات رمسيس ص 5.
(2)-Estbern friis - hansen and bhuwon sthapit participaty approaches to
conservation and use of plant genetic resources - IPGRI Rome Italy 2000 p
16
(3)ODI:
OVERSEAS DEVELOPMENT INSTITUTE
IDED: INTERNATIONAL
INSTITUTE FOR ENVIRONEMENT
IDS: INTERGRATED
DEVELOPMENT SYSTEMS
WRI: WORLD RESOURCE
INSTITUTE U.S.A
(4)
تعتمد الجمعيات المشرفة على مشاريع الماء الصالح للشرب في إطار مشروع " باجير
P.A.G.E.R" على المقاربة التشاركية.
(5)USAID:
UNITED.STATES. AGENCY. INTERNATIONAL.DEVELOPMENT
(6) انظر مطبوع موزع على
المستفيدين من التكوين في إطار مشروع "ميك MEG"
بجماعة كرس تعلالين، إقليم الرشيدية عنوانه:VUE D’ENSEMBLE DES PROJETS DE L’USAID AU
MAROC EN EDUCATION, ET PLUS PARTICULIEREMENT DU PROJET M.E.G
(7) نفس الوثيقة ص 2
(8)MEG :
MOROCCO EDUCATION FOR GIRLS
)9)
TFD : TRAINING FOR DEVELOPMENT
(10)GEA: GIRLS EDUCATION ACTIVITY
(11)
تأسست جمعيات تسمى " جمعيات آباء وأولياء التلاميذ وأصدقاء المدرسة"
للانخراط الواسع للسكان المحليين بجماعة كرس تعلالين فيها لتتبع شأن المدرسة.
(12)BARA GUEYE ET KAREN SCHOONMAKER
FREUDENBERGER- INTRODUCTION A LA METHODE ACCELEREE DE RECHERCHE PARTICIPATIVE
(MARP),
DEUXIEME EDITION AOUT 1991 P 17
(13)BARA GUEYE OP- CIT P 16
(14) OP-CIT P 7
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire