جرى برحاب بلدية الجرف بحوض واد غريس، بجنوب شرق المغرب،
الملتقى الأول لفنون الفرجة بجهة درعة تافيلالت، سمته «تراث ثقافي ومظهر حضاري»
تجذذت ندوته في يومين (حصتين)، وصدرت أعماله في كتاب كان دعمه من لدن المديرية الجهوية
لوزارة الثقافة بجهة درعة تافيلالت. وقبل انطلاق الحصة الأولى من الندوة صباح يوم
السبت 25 من شهر مارس من العام 2017 كان
الكتاب جاهزا في 272 صفحة، خصصت 29 منها للمقالات باللغة الفرنسية، صادرا عن مؤسسة
الراوي للتجارة والخدمات بالرشيدية، مارس 2017. عنوان الكتاب «درعة تافيلالت: فنون
الفرجة، الأنماط الثقافية والمجتمع»، من إعداد وتنسيق الدكتور عبد الرزاق السعيدي.
تشرف الدكتور عبد المالك ناصري بتقديم الكتاب، بما هو «يكتسي نوعا من الجدة من حيث
المقاربة المنهجية والرصد المعرفي، على اعتبار أنه ينحو منحى الأعمال التي تبتغي
إحياء الذاكرة الجماعية وترميمها». ويأتي التجريس بمطلب الإحياء لما نشأت العولمة
تجهز «على الكثير من بقايا التراث اللامادي المهدد بالضياع» كله، يضيف الدكتور عبد
المالك ناصري. ومن حسن حظ الجهة أن نشأ في ترابها ثلة من الباحثين الشباب الذين
انقطعوا للنبش «في تراثها المغمور، وإخراج نفائسه من ظلمات الإهمال والنسيان إلى
النور، وتوثيقها كتابة لضمان حفظها من الضياع». وكانت جمعية فضاء النخيل للتنمية
وتدوين التراث المحلي بالمركز العمراني الجرف صاحبة الريادة في الانتباه إلى هذا
الغني الثقافي المخزون بمحيط أطلال سجلماسة التاريخية. وما كان لها لتقطع بعض
المسافات لولا دعم المديرية الجهوية لوزارة الثقافة بجهة درعة تافيلالت. فمنذ
تعيين الأستاذ لحسن الشرفي على رأسها بدا شأن الثقافة بالجنوب الشرقي المغربي
يستيقظ من البيات العميق الذي خيم عليه منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. لقد
دأبت المديرية، منذ حينه، على المساهمة في تنظيم التظاهرات الثقافية، مابرح بعضها
يروم «الحفاظ على التراث الثقافي اللامادي بالجهة والتعريف به وتسويقه، وإبراز
خصوصياته»، يقول السيد المدير الجهوي. ولا غرو، فالفنون الشعبية بالمغرب «قيمة
ثقافية رفيعة، وهي ذات أهمية اقتصادية كبرى، بالنظر إلى عراقتها وتنوع تعبيراتها»،
يضيف السيد المدير في تصدير الكتاب. وقبل انطلاق الندوة صباح يوم صباح يوم السبت
25 من شهر مارس المذكور أعطيت الكلمة لمدير الملتقى الأستاذ حميد عماري ليجرس
بالوضع السيء للثقافة الشعبية، إذ ظلت «خلال فترة تاريخية خلت في منأى عن
الاهتمام، والعناية التي تستحقها وبقيت مقتصرة على التداول الشفاهي، وعلى ما تحفظه
الصدور، وتتناقله الأجيال، دون أن تخضع لعملية التدوين». ولا شك أن جمعية فضاء
النخيل للتنمية وتدوين التراث هي التي وضعت اللبنة الأولى لتأصيل التراث وإخراجه
إلى النور.
وتحتضن منطقة الجرف عرب الصباح غريس «تلك الفئة من عرب
الصباح القادمين من شبه الجزيرة العربية الذين استقروا بالمناطق الواحية الموجودة
بالقرب من ضفة واد غريس» يقول الدكتور عبد الرزاق السعيدي، في المرجع المذكور،
صفحة 18. وتستوطن القبيلة العربية عرب الصباح غريس في ثلاث جماعات ترابية: الجماعة
الحضرية الجرف، والجماعة القروية فزنا، والجماعة القروية عرب الصباح غريس. «بالنسبة
للجماعة الحضرية الجرف، تقع بين مدينة أرفود والجماعة القروية فزنا، وتحدها شمالا
الجماعة القروية فزنا، وجنوبا الجماعة القروية امصيصي، وغربا الجماعة القروية
فزنا، وشرقا الجماعة القروية عرب الصباح غريس»، المرجع المذكور، ص18.
و«تمتاز ثقافة أهل واحة الجرف تاريخيا بتعدد مشاربها،
فاللمسة العربية ظاهرة من خلال فن البلدي، والذي يعبر عن ثقافة الواحات في العالم
العربي، في بنائه الجوهري رغم خضوعه لمتغيرات كبيرة وعميقة نظرا للترحال والتحول
من منطقة إلى أخرى»، وبرز «البعد الأمازيغي المحلي في أشكال أخرى من رقصات
(هايهوبي) المحاكي لفن أحيدوس وفي الأيقات الموسيقية الأخرى»، و«أما اللمسة
الإفريقية العميقة فظاهرة من خلال فن الكناوي أو بلغة أهل الجرف (قريبشلة) والتي
ظلت محافظة على أسلوبها وطريقة آدائها»، المرجع المذكور، ص31. ومن أنواع الشعر
بواحة الجرف نلفى: الميسوري، وقال لقلام، والنكادي، والجرفي، وكذلك الملحون،
المرجع المذكور، ص 32. ولم يتردد الأستاذ عبد الرزاق السعيدي، في مقاله: «مجتمع
الواحة بالجرف (تافيلالت) وأنساقه الثقافية والفنية – مقاربة تاريخية لثقافة
الهامش وفنونه»، نقول: لم يتردد في الاسترسال في بيان الأنماط الفنية وتعريفها،
ليأتي بعده الأستاذ المصطفى عميمي ليعمق النبش في «أنماط التراث الشعبي، من
الشفاهية إلى الكتابية –فن البلدي بالجرف»، من الصفحة 98، إلى الصفحة 28 من الكتاب
المذكور. ولم يغفل الدكتور سعيد كريمي في مقاله:«عتبات التراث اللامادي بتافيلالت:
اختلاف الأصول وتناغم الوافد»، الوقوف عند الفن (الجرفي) ليحدد نسبه إذ ينتسب «إلى
مدينة الجرف بتافيلالت، كما يمتد أيضا إلى مجموعة قصور تيزيمي والمعاضيد والسيفة،
وتوجد تجلياته في بعض قصور إقليم الرشيدية»، صفحة 54. والملحون ديوان أهل
تافيلالت، يضيف الأستاذ سعيد كريمي «قبل أن يشد الرحال نحو كبرى الحواضر المغربية
التي احتضنته وتعهدته، مثل فاس، ومكناس، وسلا، ومراكش، وتارودانت».
وباختصار، «شكل المجال الواحي المغربي عموما والفيلالي
خاصة، منطقة جذب واستقطاب، من الأجناس البشرية التي عمرت المنطقة منذ عهود قديمة»،
فخلفت «تراثا فنيا وثقافيا غنيا ومتنوعا (موسيقى/غناء/ رقص..) بفعل مختلف التجارب
والمهارات التي طورها الإنسان الواحي، والت تعبر عن خصوصياته ومميزاته الفريدة في
التعاطي مع محيطه ومع ذاته في مختلف مظاهرها وحالاتها المتباينة (الفرح / الحزن/
الاحتفال...)» يقول الأستاذ إبراهيم اجهبلي في مقاله: «الفرجة الكناوية بواحة
تافيلالت – مقاربة سوسيو- أثروبولوجية- »، صفحة 130، وما بعدها، إلى صفحة إلى صفحة
156. و«تقيم المجموعات الكناوية بالمجال الواحي الفيلالي عدة احتفالات ومواسم
مختلفة وتشارك في عدة مهرجانات متفرقة التي أصبحت تقليدا سنويا لا يمكن الاستغناء
عنه في كثير من الأحيان ومنها موسم لالة ميمونة السنوي الذي تحج إليه مجموعة من
الفرق الشعبية الكناوية بالقرب من مركز امصيصي»، ص 141. وفصل القول في الطواف الذي
تجريه فرق اكناوة بجبل لالة ميمونة في مداخلة لحسن ايت الفقيه تحت عنوان: «الرقصات
الأمازيغية بالجنوب الشرقي: من أجل إحياء النسق الثقافي الرمزي»، وهو ضمن الطواف
المألوف برقصات أحواش وأحيدوس. والطواف إجراء سحري يعود إلى الماضي التاريخي
البعيد، وله حضور في ديانات التوحيد. وضمن الكتاب رقصة الحناء وهي «رقصة تجمع
الرجال والنساء، حيث الرجال بلباسهم الأبيض وبناديرهم، والنساء بأزيائهن البيضاء،
والمتنوعة الألوان» لدى قبائل إملوان التي تطرق إليها امبارك أشبرو في مقال له،
ضمن الكتاب المذكور، تحت عنوان:«الحناء: رقصة سطاحة الحنا/ تامنكافت عند قبيلة
إيملوان: الفرجة والإبعاد»، صفحة 172 وما بعدها إلى صفحة 188. وكما سلفت إليه
إشارة الأستاذ إبراهيم اجهبلي، وفي نفس السياق أشار الأستاذ الصديق الصادقي
العماري، «فالتراث الفيلالي يزخر بالعديد من الأشكال والمظاهر الفرجوية الشعبية، إذ
إن لكل منطقة من تافيلالت شكلها الذي يميزها، حيث نجد أن هناك تشابها وتقاطعا
واختلافا في بعض المناطق»، وتعد «رقصة (هوبي) أحد مظاهر هذه الأشكال التعبيرية... ومن
يتتبع هذه الرقصة»، وإن كانت مشهورة لدى قبيلة ذوي منيع العربية، «يجد لها جذورا
في الماضي البعيد، ولا يستطيع فصلها عن التراث الفيلالي، خاصة، إذا علمنا أنها
تشبه رقصات شعبية بالمنطقة، لها ارتباط باحتفالات متنوعة». و«يعد الجسد في رقصة
هوبي حاملا العلامات، إذ إنه رمز من رموز التعبير الطاغية الطاغية على طول الرقصة،
إذ من خلال الحركات والإشارات والهمسات والإيماءات، التي يقوم بها الراقصون، والتي
تعبر عن الأجواء العاطفية بمختلف أشكالها، تساعد الجمهور على الفهم والتفسير والتأويل»،
يضيف الأستاذ الصديق في مقاله:«فرجة هوبي، عند قبائل ذوي منيع بتافيلالت»، من صفحة
190 إلى صفحة 226 (المرجع المذكور). وأما القسم
الفرنسي فتضمن مقال الأستاذ سعيد تاوشيخت، ومقال الأستاذ زايد أوشنا كلاهما يدور
حول رقصة أحيدوس والأغنية الأمازيغية.
و«إنه من الواجب الاهتمام الواسع بهذا الموروث الثقافي
والفني وصيانته، وذلك من خلال رصده وتدوينه وتوظيفه في الكتابات التاريخية والسوسيولوجية
والأدبية المهتمة، وغيرها بغية اعتماده ركيزة أساسية لمجتمعات الواحات وبعدا
أساسيا من ثقافة المغرب المتنوعة وتراثه اللامادي»، الصفحة الرابعة من غلاف
الكتاب.
كتاب مهم يوثق للتراث الثقافي اللامادي والشفهي للمنطقة درعة تافيلالت
RépondreSupprimerشكرا على المجهود