يتوافر
الأستاذ عبد الوحيد بن الطالب إمام مسجد بدر وعضو المجلس العلمي بميدلت، على وثيقة
قيمة مفيدة، كتبت باللسان الدارج، حافظ عليها الزمان. ولقد منحني الأستاذ المذكور
نسخة منها، وسمح لي بحرية التصرف. وبعد صرف بعض المجهود توفقت في قراءتها عدا كلمة
واحدة، لن يعيق حذفها فهم النص.
تدور
الوثيقة حول موضع تلمي، الذي يفصله عن بحيرة إزلي جبل مصطريد. ولم تكن مؤرخها لأن
كاتبها ضمن فيها رواية شفوية نقلها عن كبار تلمي وخاصة المدعو حمي الحسين، في وقت
متأخر، قد يوافق ازدهار فرع الزاوية الدرقاوية هناك، الفرع الذي جعل الموضع يحمل
اسم «تلمي نايت سيدي». ولا غرو، فاللقب سيدي يستحقه هؤلاء المتصوفة لانخراطهم في
الدفاع عن سيادة المغرب، وسيادة جبال الأطلس الكبير الشرقي. كلنا يتذكر «سيدي بن
أحماد» الذي شارك في معركة موضع تازكارت، والمشهورة باسم معركة بوذنيب سنة 1908،
ومعركة الطيارة، قرب موضع الريش سنة 1922، ومعركة بلقاسم قرب موضع زاوية سيدي
بوكيل، تحدث عنها سبيلمان، ومعرة أيت يعقوب سنة 1929، ومعركة جبل مصطريد، التي قضي
فيها على الفيلق المشارك في المعركة، في فاتح مايو سنة 1933، واستمرت التعبئة بعد
مقتل سيدي بن أخماد، فكانت معركة بادو في شهر غشت سنة 1933.
كُتبت
الوثيقة، في وقت متأخر، لكن ذلك لا ينقص من قيمتها في شيء، فمضمونها يعود، في
الغالب، إلى ما قبل تأسيس فيدرالية أيت ياف المان، أي قبل النصف الأول من القرن
السادس عشر (16) الميلادي. فلا يمكن لأي عاقل مميز [اسم الفاعل] أن يصدق الصراع
بين أيت إبراهيم وأيت يعزا المكونين الرئيسسين لقبيلة أيت حديدو في الحال، بعد
تأسيس فيدرالية أيت ياف المان. ولا يمكن تصور هذا الصراع في وقت تحالفت فيه أيت حديدو:
أيت يعزا وأيت إبراهيم، وأنشأتا وحدتين سوسيومجاليتين متجانستين بأعالي أسيف ملول،
أحد فروع واد العبيد، وأعالي زيز. وإنه بعد تأسيس فيدرالية أيت ياف المان برزت ايت
مرغاد زعيمة ضمن هذا التحالف العرفي، الذي حتمت الضرورة تأسيسه للصمود أمام اندفاع
أيت عطا للمرور نحو شمال جبال الأطلس الكبير. وإذا استحضرنا أن بقايا الصراع جلي
بمرعى إزلان، بين بحيرتي إزلي وتيزليت تبين أن النزوع نحو السيطرة على منابع
الماء، ومواطن الكلأ بسيف ملول وأوسلاتن (أحد روافد زيز) وتلمي مراد قائم لدى كل
القبائل التي عبرت جبال الأطلس الكبير الشرقي من الجنوب نحو الشمال. وتثبت الوثيقة
أن نزاعا قائما بين أيت إبراهيم والقبائل الأخرى دار حول موضع تلمي، وأنه نزاع
ساخن قديم تخللته أشواط من إطلاق النار. وتضيف الوثيقة أن أيت يعزا كانت تناصر أيت
مرغاد، وتعدها بنصيبها من تلمي. توفق التحالف بين أيت يعزا وأيت مرغاد في إبعاد
أيت إبراهيم من تلمي، والبقاء هناك 27 سنة. ولئن تمكنت أيت إبراهيم من استرجاع
تلمي وإتخراج أيت مرغاد من ديارهم بقلعتهم
بموضع بوعفير، فإن الوثيقة لم تذكر شيئا عن أيت يعزا. ويغلب أنهم لا يزالون
يحافظون على نصيبهم بتاغيغاشت، إلى حين تسوية النزاع بين أيت يعزا وأيت إبراهيم،
ذلك النزاع الذي نشأت تنسج حوله أساطير الخطوبة في وقتنا الحالي بإقليم ميدلت.
ينتظم
واد تلمي، وقته في وحدتين قرويتتن: وحدة تلمي من علُ، وتضم قبيلة أيت إبراهيم
الذين يقطنون بكل من أيت يكو وتابانست، وأيت عمرو، علما أن عشيرة أيت عمرو موزعة
في أربع مجالات بالأطلس الكبير الشرقي، ووحدة تاغيغاشت وتقطنها عشيرتين من أيت
يعزا، إزناكن وإحوطين.
يستشف
من النص التاريخي المذكور أن أيت حديدو تنزع دواما نحو تحرير الأرض بالدم، وغنشاء
علاقة قرابة دموية بين الإنسان والأرض. وتؤكد الوثيقة أن الصراع بين أيت إبراهيم
وأيت يعزا حقيقة منزهة عن كل إرجاف. وتؤكد الوثيقة كذلك أن اللباس الإثنوغرافي
يكاد يغشى المجال الجغرافي.
نص
الوثيقة: «الحمد لله وحده هذا زمام ما وجدنا عند كبراء آل تلمي ايت براهيم
[إبراهيم] على ما....بينهم وبينا [وبين] القبائل على بلد تلمي خبرونا [أخبروننا]
بأنها قديمة لأيت براهيم [إبراهيم]، وهي أصليا [أصلا] عندهم، حتى قدر الله رفع
البرود [البارود] بينهم، وبين ايت عزا [يعزا]، وحتى غلبهم آيت براهيم [إبراهيم].
وتقول ايت عزا [يعزا] لآيت مرغاد: كل ما تردّ السد مع إمشط نمكماك [بكاف معقوفة] للفوق ويشدوه ويقبضوه ايت عزا [يعزا] ما ترد للسفل.
ويتعاونوا البرود حتى كسروا بها ايت براهيم [إبراهيم] وكل واحد فيهم قبض ما ذكرنا
ويستغلون بها سبعة وعشرون عاما وبعدى [وبعد] ذلك حيث أمروا الله بخرجهم [بخروجهم] كان وحد [واحد] من ايت مرغاد اسمه علي أخي [علي
أخيي] وكان يرعى فرسه با بقعة [ببقعة] يسمى [تسمى] ألمو متع اعلي أخي [أخيي]. وقدم
رجول [رجل] من ايت براهيم [إبراهيم] يسمى ازكيط وخلع فرسه حتى قطع الرباط وهرب له وأفاقه
في النعاس وهو بطريق ازكيط جرحه أكثر الجروح، وكانوا ايت براهيم [إبراهيم] سكنوا
بأخيمهم [بخيامهم] ومالهم في إزلان، ولم
يفوت بوزكيط حتى وصالهم [دركهم] يلعبون بالكورى [الكرة] واطلا الطرين
لوجهيه [لوجهه] وحوائجه، وهو يبكي عليهم وجمعوا بالحركاتي وضربوا عليهم حتى قتل
بعضهم بعض [بعد] إكثار القتال هاك [هناك] وحتى كسروا ايت مرغاد في قصيرة موضع يسمى
بوعفير تحت تبنست [تابانست] وقصيرة أخي [أخيي] بن [بنى] في موضيع [موضع] تحت
تلبوست وبقي قصر كبير يسمى متع ايت محمد فوق ايت إكوا وجمعوا بها ايت مرغاد،
ويضربوه مع ايت براهيم [إبراهيم] حتى وصلوا كلهم وقبضوا ايت مرغاد فيحتى لقصيرة
وخرجوا لبلد ورجع إليه ايت براهيم [إبراهيم] هذا ما وجدناه في كلام رجل كبير يسمى
حمي الحسين».
لحسن
أيت الفقيه
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire